ما بين اليقظة وفقدان الوعي كانت هناك ثوان ٍ معدوده حسبتها حُلما طويلا اكتظـَّت من صور المجتمع الاردني تسربت خلسة الى مخيلتي جامعة ما يراه ويحلله العقل الباطن .
- حدث ذلك عندما انزلقت قدماي ووقعت على ارضية مدخل منزلي في الساعات الاولى من فجر يوم جادت السماء بأمطارها فأنزلتها على ارض استقبلتها بكل ترحاب .
- كان ذلك بعد عودتي من سهرة عشاء ودردشه في خلوة عائلية في منزل دولة المهندس علي ابو الراغب و برفقتي زوجتي واثنين من ابنائي .
- ربما كان الزمن لا يتعدى بضعة ثوان لفقدان الوعي بعد ان ارتطم جبيني الايمن بالارضية وكُسر احد اضلاعي . رايت اطفالا يتوجهون الى مدارسهم وهم يغنون – رايت رجالا ونساءا يلتحقون باعمالهم بهدوء وانتظام – رايت السيارات في الشوارع وكأنها تسير خـَببا دون تسابق – شاهدت الاعلام الاردنية خفاقة على الصواري تدغدغها الرياح - ثم افقت فجأة على الم في أضلاعي .
- اخذت الحبوب المهدئة وانا لا أتعاطاها ونمت على ذاك الحلم الجميل ليشدو صدى صوت ابو حسن في اذني وهو يقول : باننا نجتهد ونخطئ، ونختلف ونتلاقى الا ان شيئا واحدا لا نساهم عليه ولا نتفاوض فيه ولا نلتزم بالسكوت عنه تحت اية ظروف ، الا وهو " هيبة الدولة " ، والتي في ظلالها تنشا الاجيال وتسود دولة القانون وترسخ الطمأنينة في النفوس ونمشي معا في دروب الحياة بكل ثقة وامان وعطاء .
· انها فلسفة الحاكم واستجابة الشعب ، حدث هذا في ماليزيا وسنغافوره ودبي ، وامكانية استنساخه عندنا تاتي بالدراسة والعمل والتطبيق .
· كان الجزء الاكبر من الحديث من دولة ابو حسن - جاء من خبرات واسعة وانتماء صادق للأردن الذي احبه ابا عن جد ، واخلص له شعبا وارضا ونظاما . تحدث كثيرا واصغيت له بكل إعجاب واحترام – كل ما قاله كان يصب في لحن ٍ جميل الايقاع استقاه من عمله في القطاعين العام والخاص حيث كان عضوا فاعلا ومنتجا ، ثم دخل السياسة فكان نائبا منتخبا ووزيرا ثم رئيسا للوزراء لاكثر من ثلاث سنوات . ما كان صامتا او مترددا وخائفا وانما كان حازما بتعقـُّل وكان جريئا بتحفظ . كان دوما في قلب الحدث – من عمان الى بغداد الى رام الله الى غزة هاشم الى واشنطن ولندن . ابطل الكثير من سلبيات مرحلة دقيقة محليا وعربيا ، الى ان عُين في مجلس الملك – وهو الآن في راحةٍ مع الجسم والضمير ، فعاد للقراءة والرياضة والسفر والراحة ، مع بعض المشاركات في ندوات ولقاءات واحاديث .
· هناك الكثيرون منا يعتقدون ان الشؤون الحياتية هي في قبضة " الحظ " او القدرة الالهية ، ولا يستطيع احد منا ان يصححها من خلال " تـَعَقــُّلـِه " ، فلا داعي له للتعرّف فتجري الامور كما هو مقدر لها .
- هل في ذلك إلغاء لارادتنا الحره ؟.
- ربما يلعب " الحظ" ويتحكم بنصف ما هو مكتوب لنا ويترك النصف الاخر لنقوم به انفسنا . فأذا ما غضب النهر وامتلأت جوانبه وارتفع الماء عن منسوبه ليحدث السيول والفيضانات واقتلاع الاشجار وهدم المنازل ويرمي بارض هنا ليضعها هناك . فالانسان قادر على منع كل ذلك باقامة القنوات كما هو في هولندا او بناء السدود. "فالحظ" يُظهر قوته عند غياب مزيةٍ او فعالية لوضع كل شيء في نصابه .
- وهكذا التعامل مع الشعوب – " فمن اراد منع التداعيات زاد في البناء .
· تمتع قادة اسقطهم الربيع العربي بالسلطة والمال – مبارك ومجلسه العسكري في المحروسة ، وعلي عبدالله صالح في يمن الاحرار ، وزين العابدين بن علي في تونس الخضراء ، والقذافي في ليبيا المختار ، وحكام سوريا يوسف العظمة ، تعاملوا كلهم مع السلطة بحذر ومع المال في تهور . وما احد منهم اتخذ من المتغيرات غطاءا له و تكيـَّف لمتطلبات شعوبهم بل هم تحدوا "كل تغيير" و تعاملوا معه بمنتهى القسوة والعناد والتعالي ، فسقطوا ! فالكثير من الثقة لدى الحكام لا تـُبقي عامل الحذر ، والكثير من عدم الثقة لا يُستخرج منه اي تسامح .
- هم سقطوا لانهم اعتادوا ان يسيروا في ممر واحد لا يمكن لاحد منهم ان يقتنع بتحويل مساره او تركه.
· اما نحن في الاردن فالتوافق ما بين الشعب والنظام قائم وفيه الايجابيات الكثيرة، فقد اتسم الحاكم بالعقلانية ووضوح المنطق وقوة الراي وخيرُ الاداء، فهو لا يخشى شعبه بل يحوز تلقائيا على ثقته . اما الليونة الزائده لخوفٍ من أحداث ربما تاخذ منحى اخر فيه التهديد للكيان برمته – هنا تبدأ الفوضى . وهذا بالذات ما عناه دولة ابو حسن بأن َّ هناك فوضى ! فإذا ما فُرض الامن والاستقرار بالتفاهم والمنطق والروية يحب ان يُفرض بالقوة والحزم . كل شيء قابل للتفاوض والحوار في ندوات ومحاضرات ولقاءات حزبية ومجتمع مدني دون اللجوء الى الشارع الا اذا اقتضى الامر على ان لا يكون هناك خلل في أمن البلد واستقراره .
- اطمع ان ارى واقع الحال ما رايته في حلم الغيبوبة. لماذا لا نـُعطي القاضي الجليل فسحة من الوقت ليعمل ، قالها دولة ابو حسن : هل لكم كاحزاب سياسية وفعاليات المجتمع المدني والنقابات باعطائه بعضا من الايجابيات ليتسنى له ان يعمل ؟ ولديه القدرات على ذلك . وهل في الفوضى واتساعها عوامل ايجابية تخلق اجواءاً مريحة للرئيس كي يعمل هو وفريقة في هذه الظروف الصعبة ؟.
· فإذا كنا غيورين على هذا البلد – محبين له – ويهمنا امنه واستقراره – فلنبتعد عن الفوضى ونوقف كل التظاهرات – ولنتعاون معا من اجل آمن البلد والحد من البطالة المقنعة وتجسير رقعة الفقر وتحسين الحياة المعيشية لابنائه .
اما اذا كان هناك من يريد السوء بهذا البلد
فبقوله تعالى " يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " صدق الله العظيم