إطلالة .. على المشهد الاستراتيجي في المنطقة (1-2)
الدكتور احمد القطامين
23-11-2011 03:03 AM
محاور تنهار وقوى عالمية تعجز عن الفعل ومعادلات استراتيجية تتبعثر على وقع التغيير العاصف في المطقة العربية.. اننا امام مشهد يتمثل بطوفان هادر تسعى كل القوى الاقليمية والعالمية لاحتوائه ومنعه من اغراق العالم الذي يترنح تحت وقع واحدة من اخطر ازماته الاقتصادية والبنوية في التاريخ.
فاقليميا، انهار نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك وتداعى معه محور الاعتدال العربي بضربة واحدة وتمت تسويته بالارض واحتفل محور الممانعة بهذا الانتصار المدوي غير المتوقع لا شكلا ولا مضمونا معتقدا ان الامور تجرى لصالحه في منطقة انطلق فيها القمم من عقاله آخذا في تكوين معادلات خاصة به تقع خارج نطاق اي شكل من اشكال السيطرة.
وقد شكل انهيار النظام المصري حالة ثورية غير معروفة وغير مسبوقة في التاريخ العربي على امتداده مما ادى الى حقن المشهد في المنطقة بقوى شعبية منفلتة العقال تموضعت استراتيجيا خارج الحيز الخاضع لإمكانية السيطرة عليها متسلحة باحدث ادوات نقل المعلومات وتخزينها ونشرها واستخدامها بصورة فعالة جدا لتفعيل ادوات الثورة والتمرد.
اما اسرائيل التي كانت في الماضي في غاية الارتياح لهذا الانقسام في جبهة الاعداء بين معتدلين لا يجدون حرجا في التعامل معها وممانعين يتمتروسون خلف مواقف ثابته معادية لها، فقد تلقت بسقوط نظام حسني مبارك ضربة قوية في الرأس ادخلتها في حالة غيبوبة مؤقته تطلب منها ذلك اشهرا عدة لتفيق من التأثيرات الاستراتيجية الخطيرة لتلك الصدمة.
فللمرة الاولى في الحقبتين الماضيتين تجد اسرائيل نفسها عاجزة تماما عن فعل اي شيئ لانقاذ النظام الذي كانت تعتبره اهم انجازات سياستها الاقليمية على مدى الحقب الماضية حيث كان حسني مبارك واسرته وتحالف رجال الاعمال الفاسدين والقوى الامنية المخترقة تشكل بمجملها احتياطيا استراتيجيا بالغ الاهمية لأمنها ولعملية تحكمها في معادلات الفعل الاستراتيجي في المنطقة.
مرت اسابيع، اخذ العالم بعدها يستفيق من تأثيرات ما اصطلح غربيا على تسميته بالربيع العربي ، حتى بدأ الرد .. وتمثل اولا في ليبيا حيث سرعان ما تحولت ثورة شعبية لا تختلف في اهدافها ومضامينها عن ثورتي الشعبين التونسي والمصري الى حالة من الحرب الاهلية تغذيها تدخلات عسكرية مقننة بعناية هدفت الى تدمير البنية التحتية للبلد تحت شعار حماية المدنيين من بطش القذافي وكتائبه العسكرية البائسة التي امعنت في القتل مزودة حلف الاطلسي بمزيد من المبررات للقيام بافعال تعمق الهوة بين النظام المحتظر والثوار وتضمن ادامة حالة الخمول العسكري غير القادر على الحسم بين غرب البلاد حيث القذافي ومجموعة من الكتائب الامنية المواليه له وبين شرقها حيث الثوار الذين بالكاد يستطيعون ضمان امدادات الغذاء في مناطقهم وغير المسلحين بما يكفي حتى للدفاع عن انفسهم.. ومع ذلك انهار النظام بشكل مفاجئ وتمت عملية التنكيل بالقذافي بعد القاء القبض عليه في سرت بمشهد دموي قاس نقله الثوار عبر شبكة الانترنت بكل تفاصيله الى العالم. ثم تبع ذلك القاء القبض على آخر رموز النظام سيف الاسلام، نجل القذافي لتطوى صفحة القذافي وجماهيريته الى الابد ويعلن الثوار انتصار ثورتهم المحفوفة بالمخاطر.
وكان الهدف من وراء ذلك ان يقال للجماهير العربية المتأهبة للثورة في البلدان العربية الاخرى ان الصورة ليست "بجمال" ما جرى في مصر وتونس حيث سقط النظامين بحد ادنى قليل من الخسائر، وان الاستمرار في هذا الطريق قد يقود الى ما تمثله الحالة الليبية من دمار وحرب اهلية وتقسيم بكل ما يعنيه ذلك استراتيجيا للوطن ومستقبله.
يتبع..