رسائل من ميدان التحرير .. الثورات لم تكسر عصاها بعد!
حسين الرواشدة
22-11-2011 02:45 AM
بفضل الاسراع في عملية الاصلاح، انتقلت تونس من الثورة الى بناء الدولة بأقل ما يمكن من خسائر، فيما بدأ المصريون الجولة الثانية من "الثورة" بسبب التلكؤ الذي مارسه العسكر في التحول الى الحكم المدني.
نحن، اذن، امام نموذجين احدهما التقط اللحظة التاريخية التي صنعتها الثورة فتحرك على الفور الى ميدان العمل، واستطاع ان يطمئن الناس على تضحياتهم وعلى مطالبهم ومستقبلهم، اما الآخر فلم ينتبه بما يكفي لاستحقاقات اللحظة وخياراتها، ولم يتورع عن الالتفاف على مطالب الناس واحلامهم فوقع في المحذور كما وقع فيه تماما النظام السابق الذي قابل احتجاجات الناس وغضبهم بمنطق الاستهتار والتهوين والانكار.
من سوء حظ البعض انهم يتعاملون مع "الثورات" التي اجتاحت عالمنا العربي بمنطق ادوات عصر ما قبل الربيع العربي، فثمة من يتصور ان ما حدث مجرد "هوجات" عابرة من الاحتجاج سرعان ما تنطفىء وثمة من يرى ان تبديل الوجوه يكفي لدفع الناس الى الاسترخاء والرضى بالنصيب المكتوب، وثمة من يراهن على شراء ما يلزم من الوقت لامتصاص غضب الشارع وتجاوز المرحلة بأقل ما يمكن من تنازلات.
هنا تغيب "افكار" اصيلة عن اذهان هؤلاء، اهمها "الزمن" فالشعوب التي استطاعت ان تفك حصار الزمن الذي اعاقها على مدى عقود، لا يمكن ان تعود مرة اخرى الى "القلعة" التي حبست فيها، والمعنى هنا واضح تماما، اذ كلما اسرعنا في الاستجابة لمنطق التغيير واضطراريته، استطعنا استيعاب مدد الثورات وثورانها، ومن يتأخر عن "الموعد" المحدد يجد نفسه امام جولات اخرى قد تكون اعنف، وقد تكون خسائرها افدح، تماما كما حدث في مصر حين اطمأن "العسكر" الى ان الشعب قد تعب والى ان "الفزاعات" التي زرعت لاشغاله او تخويفه ستدفعه الى قبول الواقع الجديد حتى لو كان "التغيير" فيه مجرد ديكور.
للثورات ايضا "سيكولوجية" خاصة فهي تحوّل الناس الى مشاريع تضحية والى ابطال في نظر الجماهير وحين يصاب الناس بهذه العدوى تتعطل لديهم حسابات "السياسة" وتتوقف ساعة الانتظار، وتتحول مطالبهم الى احلام لا حدود لها، وتصغر في عيونهم الاشياء نظرا لنبل "الهدف" الذي يسعون الى تحقيقه ووفق هذا المنطق الذي يتحول الى "لا منطق" تفقد "السياسة" جاذبيتها وتتنحى النخب جانبا هروبا من "اللاعقلانية" التي تدبّ في الشارع، وهنا يصبح "الزمن" اللاعب الوحيد في المشهد، ومن يستطع ان يلتقطه هو وحده من يفتح بوابة الخروج الى المستقبل الآمن.
كل ما ارجوه ان نستعيد هذه الافكار ونحن نراقب ما يحدث في عالمنا العربي سواء في مصر او في سوريا او في المغرب او في بلادنا.. فقد ثبت بان الثورات لا تنتظر احدا ولا تستأذنه كما ثبت ايضا بأننا امام ارتدادات متتابعة لثورات لم تكتمل وان اكتملت فانها لم تنته بعد، واذا ما سألتني عن وصفة "للفهم" والاستدراك فسأقول على الفور: ان نفك حصار "الزمن" عن الاصلاح، وان لا نفكر بمنطق التأجيل والتقسيط وان نتقدم نحو ما علينا من استحقاقات تفرضها اللحظة ناهيك عن مطالب الشارع بدل ان ننتظرها او ان "نتشاطر" في الدوران حولها واقناع الناس بان "عصفور على الشجرة افضل من عشرة في اليد" لان قلب هذه المعادلة وان كان مقبولا لدى الناس في الماضي لم يعد الآن لينطلي على احد.
لقد سقط منطق "التأجيل".. تأجيل التغيير وتأجيل التنازلات الصعبة وتأجيل الانصات لمطالب الشعوب وتأجيل التكيف مع مناخات الثورة وتحولاتها ومع ارتدادات زلزالها الذي لم يتوقف.. وصار بوسع الجميع ان ينظر بعينين مفتوحتين الى ميدان التحرير لكي يفهم ما يصدر من رسائل وما يحدث من ارتدادات لثورات بدأت لكنها لم تكسر عصاها بعد!.
(الدستور)