شاء القدر ، ان نجهش صبيحة امس بالبكاء لفراق " عمر المجالي " وان كنا نسعى من خلال ادارة مفتاح المذياع على موجة " فن اف ام " ان نستهل الصباح " بنهفة ، من نهفات محمد الوكيل " لكن الظروف عاندتنا ، لدرجة ان القيادة باتت مستحيلة في ظل الدمع الذي اغرورقت به العيون ، واخذ ينهمر على فراق " عمر " فالتزمنا يمين الطريق ، واطلقنا العنان للعاطفة ، كي تفعل ما تشاء ، حيال مصابنا الجلل .ولمن فاتته القصة فملخصها حادث دهس لطفل في العاشرة من عمره وقع له بعد ان اعلن عن تبرع بخمسين دينارا لحملة معالجة المحتاجين للقرنيات على اذاعة " فن اف ام " .
وقع ’جمل " الصغير " ومفردات النقاء والصفاء التي استمعنا لتسجيلها عبر الاذاعة ، في دراما واقعية وقاسية ، كانت هي العذوبة والعذاب في ان معا ، طفولة يانعة ، تعلن من خلال برنامج عن تبرع بتحويشة ربما جمعت ذات عيد ميلاد عاشر ، او ذات تفوق مدرسي نهاية عام دراسي ، لتهبها لفقراء وطن ، ما اكثرهم ، ابتليوا على فقرهم باشياء اخرى ، وتبرع بقرنية ، بعد الممات تشاء الحكمة الربانية ان يكون موعد تادية الوعد قريب ، وقريب جدا !!
كان الصوت شديا ، عذبا ، مفرداته هي الاسمى والاجمل " عمو بدي اتبرع للحملة بخمسين دينار " كان عمر المجالي ، ابن هاشم المجالي ، وابني ايضا ، وابنك ، وابنها ، وابننا جميعا ، وابن الاردن بكل مكوناته ، الابن الذي قضى دهسا بعد ان ادى رسالة ، ربما تجاوز بعضنا " الستين " ولم يفلح في تادية نزر يسير منها .
" عمر " يا وجعي ، يا وجعنا كلنا ، ويا الم لا ندري كيف نجتث مسبباته ، من مجتمع " مجانين " المقود فيه كثر ، فاي جنون نمارسه نحن على الطرقات ، واي استخفاف " بعمر " الزهرة التي تفتحت على مباديء شعور بالاخر ومعاناته ، واي مبرر يمكن ان نتقبله لمن اطاح " بعمر " واي عذر نسوقه لانفسنا في جاهة اصلاح ذات البين الخاصة " بعمر " .
قد يقول قائل " هو القضاء والقدر " ويقول اخر " هي الطريق " وثالث " هي التربية المرورية " ورابع وخامس ، لكن كل ذلك لا يمكن ان يبرر جنوننا ، فنحن نعي سوء الطرقات ، ونعى سوء تخطيط المنعطفات استجابة لنفوذ الوجاهات ، ونعي تردي واقع تنظيم المدن وكثرة التقاطعات ، وشاركنا بعزاء ربما لصديق " عمر" ذات يوم ، لكننا ما ان ننفك حتى نعود لممارسة الجنون ، ونطلق العنان لشرود الذهن ، ونعود للخوض في المبررات !!.
عشرات الاف الحوادث المرورية تقع سنويا ، والاحصائيات تقول ان المعدل ، حادث كل سبع دقائق ، ووفاة كل احد عشرة ساعة " وعمر " ربما كان يعي هذه الحقائق ، فطيلة دراسته لابد وان استمع لها من اقرانه ذات احتفال باسبوع المرور ، وربما كان قائلها ايضا ذات خطاب القاه في الاحتفال ، لكن لم يخطر بباله ان منيته ستاتي مبكرة ، ومبكرة جدا ، وبحادث دهس ، يضيفه الى قائمة " هؤلاء " الذين قضوا نحبهم بحوادث السير .
أي جنون نحن فيه ، واية قيادة اعتدناها ، ومن هو الذي ظلمنا ومنحنا ما تسمى رخص القيادة ، لنسيد ونبيد في الطرقات ، لماذا اجهزنا على " عمر " و حرمنا " ام عمر " من مهجة العين وفلذة الكبد ، وما الذي يبرر فعلنا الشنيع ، والخطأ الجسيم الذي ارتكبناه .
" لهاشم المجالي " نقول " لعمر الرحمة وجنات الخلد باذن من ربه ، ولك دعوات بصبر جميل ، وثق ان مجاملة " الفقيدة واحدة " التي اعتدناها في تقبل العزاء وممارسته ، شعرنا فيها بصدق نوايانا لاول مرة ، يوم ان دهس " عمر " ويوم فارقت روحه الحياة ، ويوم اعتبرناه مثالا يحتذى ، استمعنا لتبرعه ، وبتنا نحض اطفالنا على ممارسة فعله بالشعور مع الاخر ، وتمثل كل ما هو جميل في القيم الانسانية ، ونترك " هاشم " لوجعه لنسأل انفسنا " اما اّن الاوان ان نرأف بحالنا من جنون مصطنع ، علاجه بين ايدينا "؟؟
ayman65jor@yahoo.com