رشاد الحكومات .. والطريق إلى مصالح الناس وقلوبهم
أ.د. أمين مشاقبة
17-11-2011 03:56 AM
قد يرى الناس، ويسمعون، صخباً سياسياً كثيراً، ولا يشعرون بآثار تلك السياسات على الأرض. وقد لا يسمعون ضجيجاً سياسياً، أو قل ضجيج سياسات، غير أنهم يلمسون آثارها في حياتهم اليومية.
في الحالة الأولى، تكون السياسات استعراضية، خاوية، فارغة، لا هدف لها سوى اشعار الناس بأن مسؤولي السياسة يعملون، وفي الحالة الثانية، تكون السياسة حقيقية، وجادة، حتى لو لم يشعر الناس مباشرة بآثارها، فذلك تحصيل حاصل، وإن تأخر قليلاً. وفي هذه الحالة، يكون هدف تلك السياسة حقيقيا وفعليا، حتى لو لم تعجب البعض، مؤقتاً.
والحق أننا، في الأوساط السياسية والإعلامية والمهنية، لمسنا ذلك في أول نشاط قام به دولة الرئيس عون الخصاونة، بزيارته لمجلس النقابات المهنية، في مجمع النقابات، التي تلاها لقاء موسع مع الأسرة الإعلامية الكبيرة، وبمشاركة نقابة الصحفيين. فالنقابات المهنية، هي العنوان الأبرز لأوسع القطاعات الفاعلة والمؤثرة في مجتمعنا. ووسائل الإعلام، بأشكالها المختلفة، هي الوسيط الأهم، في اللحظة الوطنية والعربية الراهنة، في نقل المعلومات ووجهات النظر، بين أطراف المشهد في المجتمع الواحد، رسمياً وشعبياً، وعبرها تحدث التوافقات والاختلافات، بين أطراف الفعل الاجتماعي والسياسي. وبمعنى آخر، فقد لمسنا في الأوساط التي التي أشرنا إليها، آثار سياسات ونوايا فعل حقيقي، لا محاولات صخب عشوائي، لملء فراغ مشهد، يحتاج إلى كثير من الإجابات الحقيقية، حول أسئلة حقيقية، لم تعد تحتمل التأجيل. واللافت، أن هذا حدث، بشكل تلقائي وطبيعي، في الأيام الأولى لعمر الفريق الوزاري الجديد، وهي أيام عادة ما تكون للمجاملات والتبريكات والتهاني، في العُرف الرسمي للحكومات الأردنية.
وأن يعلن دولة الرئيس، في لقائه مع الأسرة الإعلامية، وبعد تشكيل حكومته بأيام، قائلاً: بأننا "لسنا حكومة إنقاذ، بل حكومة إصلاح، تزامنت مع الربيع العربي والأزمات الاقتصادية.."، فذلك أمر فيه الكثير من الجدية، فالتحفظ على توصيف حكومته بـ"الإنقاذ.."، وأن يعتبرها "حكومة إصلاحية.."، وتشكلت في ظرف استثنائي، يعني أول ما يعني: ان أوضاع البلاد لا تحتاج إلى إنقاذ، بالمعنى الإصطلاحي للكلمة. ذلك أن رأس النظام في البلاد، عندما يطالب بالإصلاح، فإن الفجوة بين الشارع والحكومة والنظام، التي يقتضيها الإنقاذ عادة، غير موجودة. أما المشكلات، التي وقعت سابقاً بين قوى الشارع والحكومة، فهي ناجمة عن "سوء تفاهم.."، وليس سوء فهم، كما أشار الرئيس، واعداً أن تعمل حكومته على "احتواء ما صدر من ردات فعل..".
ولعل قول الرئيس: "إذا استطعنا أن نبني لبنة في سبيل أن تكون هناك حكومات برلمانية، فإننا نكون قد قمنا بواجبنا"، لا يأتي في باب التواضع السياسي، بقدر ما يدخل في جدية الالتزام المسؤول وصدقيته، حول الممكن تحقيقه سياسياً في اللحظة الراهنة، بديلاً عن إطلاق التصريحات السياسية الفضفاضة على عواهنها. ذلك أن الواجب الذي أشار إليه الرئيس، هو ما وعد به سيد البلاد، في خطاب العرش، بأن يكون تشكيل الحكومات، بدءاً من الحكومة القادمة، برلمانياً، وهو في الوقت عينه، مطلب القوى السياسية الأردنية المعارضة، على اختلاف أطيافها، وكذلك مجمل قوى الحراك الشعبي الأردني. وهو أمر، من الواضع أن حكومة الرئيس الجديد تدرك ما يحتاجه من جهد وتحضير، وخصوصاً في باب خلق مناخات الثقة والهدوء والتصالح والحكمة. مهمة لا تقوى على تحقيقها سوى حكومة رشادٍ فعلي، ترى ما لا يراه الناس، وتملك حلماً لا يمتلكه الأفراد، وسعة صدر يصعب أن يتحصل عليها الآن من يقودون حراكات الجماعات الشعبية.
وإذا كانت شهادتي مجروحة، في الصديق وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، الأستاذ راكان المجالي، فإن ذلك لن يمنعني من الإشادة بطريقة عمله، التي بدأها منذ اليوم الأول، في عمر وزارته، والتي حظيت جريدة الدستور بزيارته الأولى لها، بحكم أنها الأقدم في تاريخ الصدور، في سلسلة زياراته المتتالية لكل وسائل الإعلام، المرئية والمقروءة والمسموعة والالكترونية. وهي إشادة جوهرها إعجاب يذكر بطريقة عمل المسؤول الأردني النزيه التقليدية، تلك العالقة في أذهان ووجدان أهلنا وناسنا، بعيداً عن الترفع والفوقية والرسمية في التعامل مع الناس.
بقي أن أقول للمتعجلين، أن إشارة الرئيس إلى أن حزمة التشريعات، التي تعمل الحكومة على إنجازها، العادية منها أو تلك التي ستتم بموجب التعديلات الدستورية، بـ"أنها ليست هدفاً، بل مقدمة للإصلاح الشامل.."، لهو أمر يطمئن كثيراً، ويثلج صدور الحريصين الحقيقيين على مستقبل البلاد. فقد عرفنا، وهذا جديد في أداء حكوماتنا ووزرائنا، أن عدداً كبيراً من الوزراء، وخصوصاً القانونيين منهم، واصلوا أعمالهم من دون انقطاع، وطوال فترة عطلة العيد، لأسباب متصلة بضخامة وحجم وتشابك ما هو مطلوب إنجازه، من قوانين وتشريعات، وخصوصاً القديم منها، لما فيه من تعارضات وتضاربات وتناقضات.
حمى الله الأردن، وألهم قيادته الرشاد، في إدارة شؤون البلاد والعباد، في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ منطقتنا، التي تعصف بها رياح غير مسبوقة.
(الدستور)