فجأة ينتقل الحديث عن فساد القطاع العام الى فساد القطاع الخاص, وتقود دائرة مراقبة الشركات حملة كبيرة على الشركات المساهمة وتعد تقارير عن تجاوزات الهيئة وتحيلها الى هيئة المكافحة التي تجد نفسها مضطرة للتعامل مع تلك التقارير بعد ان عجزت عن استكمال تحقيقاتها في القضايا الكبرى التي تمس كبار المسؤولين نظرا لان قانونها لا يسمح لها باستكمال الاجراءات من حيث التحقيق مع الوزراء.
الغريب في الامر ان دائرة مراقبة الشركات في وزارة الصناعة والتجارة التي احالت تقارير عن تجاوزات الشركات المساهمة لمكافحة الفساد هي ذاتها من اقرت تلك التجاوزات وصادقت خلال السنوات الماضية على اعمال وانشطة تلك الشركات وغضت الطرف عن كل ما تقول عنه اليوم مخالفات تستحق المساءلة.
اذا كان ما تدعيه مراقبة الشركات صحيحا فلتبدأ بمحاسبة نفسها من خلال التحقيق والمساءلة مع طاقمها الذي اقر تلك التجاوزات في السنوات التي خلت وان لا يقتصر الامر فقط على مساهمي الشركات, وإلا لفهم الامر انه تحصين لموظفي الدولة مما قاموا به من شبهات تستحق المحاسبة.
ما قامت به هيئة مكافحة الفساد قبل اليوم من القاء القبض على احد كبار موظفي دائرة مراقبة الشركات متلبسا بحصوله على رشوة من مسؤولي احدى الشركات المساهمة لقاء اعداد تقرير ايجابي يخالف تقريرا "مفبركا" قد اعده قبل وقت يثبت ان ما يدور اليوم في في مجال التعامل مع قضايا القطاع الخاص يستحق اعادة النظر من جديد.
مراقبة الشركات التي اشبعت الرأي العام في الاشهر القليلة بالحديث الذي لا ينتهي عن الحوكمة والشفافية تحت القصف, ومطالب من الحكومة من خلال رئيس الوزراء باعادة الاعتبار لتلك الدائرة التي تعتبر شريان الدولة الرسمي في التعامل مع القطاع الخاص, ويكون ذلك من خلال حملة تطهير واسعة واختيار الكوادر المؤهلة من الناحية الخلقية والعلمية والعملية في التعامل مع قضايا الشركات وان يكون القانون هو الفيصل.
قضية مراقبة الشركات الاخيرة ستتيح لهيئة مكافحة الفساد التعاطي مع قضايا أثيرت حول الدائرة في عهد الحكومة الماضية وجرى التغاضي عنها وعدم اتخاذ أي اجراءات مثل ما حدث في قضية تعامل مراقبة الشركات مع الهيئة العامة لاحد البنوك المحلية الذي جرى بترتيبات مخالفة للقانون في انعقاد الهيئة والسماح لجهات بالتصويت بطرق غير شرعية وتجاوز الهيئة كل الملاحظات القانونية وادارتها للملف بطريقة عجيبة غريبة, الامر الذي ادى الى تغييرات مهمة في ادارة ذلك البنك.
اما عن هيئة مكافحة الفساد فانها تثبت يوما بعد يوم انها تمتلك كل مقومات الاصلاح وان المطلوب دعمها وتوفير مظلة استقلال حقيقي لها وتعديل قانونها وتمكين اعضائها من الحصانة كما هو حاصل في الدول الاخرى, وانها بحاجة الى دعم معنوي ومادي, وطاقمها برئاسة الباشا سميح بينو يحتاجون لخلق اجواء مساندة لهم بسبب نزاهتهم وحرصهم على الاصلاح ومحاربة الفساد ايا كان مصدره, والتقدير الكبير لدورهم وموقفهم الشجاع مما حصل قبل يومين في مراقبة الشركات, كل هذه الامور تثبت انهم بحاجة للدعم من الحكومة والكف عن انتقاد دورهم وانشطتهم والعمل بسرعة على تعديل قانونهم ليمنحهم حرية الحركة.
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)