التقيت رئيس الوزراء الجديد، مرتين، خلال بضعة ايام، والواقع ان الرجل اذ تسأله عن قضايا كثيرة، يجيبك بتكثيف شديد، حول قضايا الداخل الاردني.
رئيس الحكومة ليس ضد التعبير عن الرأي وليس ضد الحراكات، لكنه يريدها سلمية، وان تبقى ضمن حدود التعبير التي يتوافق عليها الجميع في الشعار والمضمون، فهو لا يأخذ موقفاً سلبياً من الحراكات، ولا شبابها، ولا يتشدد ولا يُخوِّن من في الحراكات.
هذا موقف راقٍ، يتوجب على رئيس الحكومة، ان يتبعه باغلاق كل الملفات المفتوحة، التي تم فتحها بسبب الحراكات، واغلاق ابواب البلطجة، وملفات الملاحقة، واسقاط القضايا المرفوعة على البعض، ضمن تسوية وطنية عامة.
يدرك الخصاونة ان اوضاع الناس من جهة، وخيبات املهم من جهة اخرى تلعب دوراً هاماً في تحديد البوصلة هذه الايام، وهو يعتبر ان ما يجري نتيجة لتراكمات طويلة، وعلى هذا لا يمكن اتهام الناس في دوافعهم.
بهذا المعنى نريد من الرئيس خطة عمل واضحة هدفها الاساس تحسين الروح المعنوية للناس، باتخاذ اجراءات على الارض، ولا يعرف احد مدى قدرة الحكومة على ذلك في ظل وضع الخزينة المالي والعجز والديون.
يستغرب الرئيس الحملات ضد حكومته، ويقول ان حكومته جيدة، وان جميع وزرائه، لا قضايا فساد عليهم، وانه اختار الوزراء بعناية شديدة، ويعتقد ان الحملات المبكرة ضد حكومته لها دوافع عديدة.
ابرز هذه الدوافع وجود قوى تحرك هذه الحملات، ووجود تأثيرات ومغريات تدفع البعض لمهاجمة الحكومة بهذه الطريقة، وهو يقول ان حكومته لن ُتخيب امال الناس، وان تقييمات الحكومة تخضع لمعايير مزاجية.
كل الحكومات الاخيرة حظيت بذات النقد، غير ان الحكومة الحالية جاءت في لحظة فاصلة، ولذلك يتوجب عليها ان لا تسترخي، بذريعة ان النقد حال طبيعي، لان ظروف البلد باتت مختلفة كلياً، ولان التوقيت جد حساس.
ما يراه الرئيس مهماً، يتعلق بحل المشاكل الموجودة، وهو يرى ان مهمة حكومته ليس البحث عن ثقة خارقة من مجلس النواب، وليس ايضاً ادارة الظهر للنواب، وانما التعاون بين السلطتين خلال الفترة المقبلة.
لا يرى الرئيس اي مشكلة في حال اقدم اي نائب على حجب الثقة عن الحكومة، لان هذا حق النائب، هذا مع سعي الحكومة لنيل ثقة جيدة من جانب النواب.
يشعر الخصاونة بثقة نفس ويقول ان سجله نظيف وان من يجد عليه شيئاً سلبياً فعليه ان ُيشهره، ويأتي كلامه ذلك في معرض رده على التسريبات التي تحاول النيل منه.
المشكلة ليست في اكتشاف شيء سلبي لاستخدامه، وانما في اختراع شيء سلبي، كما جرت العادة، من حيث تركيب صورة انطباعية لاي رئيس، والواقع ان مجتمعنا يميل الى تصديق المعلومة السيئة، حتى لو كانت كاذبة، على حساب المعلومة الصحيحة.
بهذا المعنى فان الصورة الانطباعية للرئيس لا تتحكم فيها العوامل الاخلاقية والمثالية، وانما جملة عوامل، قد يكون من بينها، ما يراد الصاقه بأي شخص، وهذا ما تعرض له آخرون قبله، وعدم ادراك هذا المعيار، سيؤدي الى كلف كثيرة.
مهمة الرئيس ليست سهلة ابداً وهو يدرك ذلك، فقد جاء في ظرف مختلف، وفي بلد بات ايضاً مختلفاً، وفي ظروف تفيض بالضغط الداخلي والاقليمي، وتحت مظلة ديون وعجز وقلة مال، ليبقى السؤال حول الذي سيجترحه الرئيس ليكون مختلفاً بحق.
اللافت للانتباه في كل رؤساء الحكومات، هنا، هو سرعتهم الهائلة في الايام الاولى، ثم بدء السرعة بالانخفاض التدريجي، والسر في ذلك ان كل رئيس يقرأ الملفات التي بين يديه ويستبصر الخطوط الحمراء والصفراء، فيميل تدريجياً الى خفض الايقاع.
نتفاءل بحذر، لان ذات الرئيس متفائل بحذر ايضاً.
(الدستور)