يزور عمان قريبا رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية خالد مشعل برفقة ولي عهد قطر, الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مؤذنا بفتح صفحة جديدة في علاقات الأردن بحماس بعد قطيعة دامت أكثر من عقد.
ثم يغادر الشيخ تميم بعد التقاط صور تذكارية مع الملك عبد الله الثاني ومشعل, الذي سيزور الأردن رسميا لأول مرة منذ ابعاده ورفاقه بعد افتراق الأجندات عام .1999
هذا التعانق سيطلق مصالحة حساسة محفوفة بالتحديات في إقليم عربي ودولي متغير دفع الطرفين المتضادين إلى توسيع دائرة خياراتهما.
تجّلت في عمان أخيرا إرادة سياسية عليا بأهمية التشبيك مع حماس لضمان الحد الادنى من المصالح الاردنية, لكن مع الحذر بأن ذلك قد يقوي موقف المعارضة الاسلامية في المملكة ويوتر العلاقات الاستراتيجية بين خط عمان - واشنطن-رام الله-تل أبيب.
فحال صانع القرار السياسي الأمني اليوم كحال من يخشى إدخال دب إلى كرمه ويحاول أن يبقيه ناطورا على كرمه.
تكاليف التطبيع باهظة داخليا في ضوء تأثير الفصيل الفلسطيني على الحركة الإسلامية التي تقود المعارضة السياسية وتمثّل العديد من الاردنيين من أصول فلسطينية ممن لا يؤمنون بجدوى عملية السلام.
ولن تستطيع المكونات الرسمية في الدولة تحمل مآلات السماح لحماس بنقل قيادتها السياسية إلى عمان وعودة نشاطها السياسي والإعلامي كما كان الحال عليه قبل اكثر من عقد.
لذلك لا بد من التفكير بطرق خلاّقة لرسم حدود العلاقة الاستراتيجية الجديدة بين الاردن وقادة فصيل فلسطيني يحملون الجنسية الاردنية, وعلى نحو تدريجي يأخذ بالاعتبار الضرورات ومتطلبات طويلة المدى للطرفين.
قد تكون نقطة البداية السماح لقادة حماس مثل مشعل ومحمد نزال - من حملة الجنسية الاردنية - بحرية التنقل من وإلى المملكة بعد تسوية الهواجس الامنية عبر قناة دائرة المخابرات العامة.
أردنيا, يسّوق مسؤولون بأن تحسين العلاقات مع حماس سيساعد على استيعاب المعارضة الإسلامية المؤثرة في الحراك السياسي والمجتمعي الاردني المستعر منذ بداية العام سعيا وراء إصلاح حقيقي ومحاكمة رموز الفساد. مثل هذا التفاهم قد يوفر فرصة أخيرة لصانع القرار حتى يلتقط أنفاسه ويركز على خريطة طريق لتأمين طوق نجاة الأردن.
فالإسلاميون يستغلون الظروف لتعزيز دورهم السياسي ونفوذهم في الشارع بعد أن قاطعوا الانتخابات التشريعية الاخيرة, وفضلّوا عدم الانضمام للحكومة الجديدة برئاسة القاضي الدولي د. عون الخصاونة من أجل الابقاء على خيارات التصعيد الشعبي لانتزاع مطالبهم. كما يهددون بمواصلة مقاطعة الانتخابات البلدية إن لم تلب مطالبهم. وبات حراكهم مصدر قلق للمسؤولين.
تحسين العلاقات مع حماس يرضي أيضا القوى الوطنية غير الاسلامية والمتقاعدين العسكريين ممن يخشون التهديد الإسرائيلي والغموض الفتحاوي ضد الأردن مع انسداد أفق قيام دولة فلسطينية مستقلة واستمرار النشاط الاستيطاني.
الهجمة الاسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن تستدعي تحالفه مع فصيل يمثّل مكونا فلسطينيا رئيسيا في الداخل والشتات, ويحمل موقفا حازما من الوطن البديل وحق العودة, ما يعزّز موقف الاردن ويحمي الهوية السياسية التي تؤجج مشاعر الكثيرين. فبحكم الجغرافيا, الديمغرافيا والتاريخ, لم يعد بالإمكان قبول فكرة أن الحكومة الأردنية غير قادرة على التواصل علنا مع طرف فلسطيني معتبر اليوم وفي المستقبل.
تحسين العلاقات مع حماس - بوساطة قطرية واضحة - سيقود الى تعزيز العلاقات مع الدوحة, وبالتالي إزالة عقبة أخرى على طريق انضمام الاردن الى مجلس التعاون الخليجي. كذلك يفتح الباب أمام تشغيل جيش العاطلين عن العمل. فحتى اليوم, تبدو السعودية والامارات الأكثر اندفاعا داخل المجموعة السداسية صوب إدخال الأردن إلى نادي ملوك السنة العرب.
في غمرة الربيع العربي - الأمريكي, يتنامى دور الاسلام السياسي في دول التحول العربي مثل تونس, مصر وليبيا على أكتاف الثورات, بدعم المحور الامريكي-التركي الاسلامي والقطري قيد التبلور مقابل محور الممانعة الايراني المؤثر في العراق, سورية ولبنان. وحماس جزء من تنظيم الاخوان العالمي, بل ذراعه العسكرية.
إقليميا, لم يعد النظام السوري يرغب في بقاء مشعل وسائر أعضاء المكتب السياسي في دمشق. فالأسد ورجال حكمه لا يخفون استياءهم من حماس وتحالفاتها السائرة على طريق التفاهم بين أمريكا والاسلام السياسي, كبديل للانظمة القديمة التي اتكأت عليها واشنطن لعقود لحماية مصالحها الاستراتيجية من خلال القمع والاستبداد.
نظام الاسد غاضب من دور إخوان سورية في المواجهات الدموية بين النظام والشارع. وستجد حماس نفسها قريبا خارج سورية, تبحث عن دولة عربية تحتضنها, وخياراتها تدور بين مصر, السودان, قطر والاردن. وفي غياب حضن عربي, قد تتوجه لطهران ما يضعها تحت هيمنتها الحصرية. "ومن مصلحة عمان ان لا تفقد دول عربية رئيسية فرصة التأثير في قرار حماس" بحسب ما يقوله دبلوماسي عربي.
انفراج العلاقة بين حماس وعمان سيساعد الأخيرة على استعادة دورها المتراجع في الملف الفلسطيني, وتحديدا تعزيز فرص المصالحة الحمساوية-الفتحاوية بعد أن كان الملف السياسي والأمني حكرا على نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك. كما قد تتوافر للأردن فرصة المساهمة في إعادة تأهيل حماس كقوة تفاوض, من خلال تطويع شروط الرباعية الدولية. وقد يساهم الأردن في تخفيف مخاطر انفجار الوضع في غزة في أي لحظة.
في المقابل سيكون حجم التحديات كبيرا أمام تحسين علاقة الاردن بحماس.
ففي حال سقوط نظام الاسد, سيرتفع سقف مطالب الاسلاميين في الأردن بطريقة قد تتعدى شعار "اصلاح النظام". وأي تقارب أردني-حمساوي سيقوي عين الاسلاميين, ما يهدد النظام والأمن والاستقرار. تواجد حماس الدائم في الاردن يعني ايضا إمكانية اتحاد المرجعية الإسلامية الفلسطينية في فلسطين والاردن, مع المرجعية الأردنية التي تمثل ايضا المكون الشرق أردني في المطالبة بمواقف أكثر تشددا حيال السلام والاصلاحات السياسية.
الاهم, سيقع الأردن تحت تداعيات مؤثرة نتيجة التحولات العاصفة في المنطقة بعد انهيار ما كان يسمى ب¯ "معسكر الاعتدال" وغموض مستقبل "الممانعة" - في حال نجا نظام الاسد أو رحل.
فإيران "الشيعية" - سواء بقيت سورية في محورها أو خرجت منه - ستظل قوة رئيسية في المنطقة مقابل المحور الاسلامي السني بقيادة تركيا ودعم قطر مع إسناد أمريكي وأوروبي. دور قطر كان واضحا في الانتخابات التونسية لمصلحة حزب النهضة الاسلامي وفي ليبيا لمصلحة المجلس الانتقالي.
إيران إذا ستظل الطرف الاكثر تأثيرا في العراق - عمق الأردن - وسيكون لها دور في لبنان وفلسطين بحكم حزب الله وحماس, مع تراجع تأثير إدارة اوباما المنهمك في معركة الانتخابات الرئاسية نهاية العام المقبل. في الأثناء تزداد مخاطر التهديد الاسرائيلي ضد الأردن.
فيما يتصل بواشنطن, سيفسر الاردن أسباب تقاربه مع حماس من باب ضرورة تهدئة الجبهة الداخلية, ضرورة ابعاد حماس عن فلك إيران ومحاولة التأثير على موقفها من حل الدولتين. هذا التقارب لن يعجب تل أبيب بالتأكيد, تماما كما حصل قبل ثلاث سنوات حين فتح الأردن قناة تواصل أمني مع حماس, ما لبثت ان أغلقت تحت وطأة الضغوط والتهديدات.
لطمأنة الاردن, تستعد جماعة الاخوان المسلمين الدولية للإعلان عن إنشاء فرع جماعة الاخوان المسلمين - فلسطين لمأسسة فك التشابك مع اخوان الأردن بطريقة اكثر وضوحا.
ازاء هذه الفرص والتحديات, على الأردن بلورة استراتيجية سياسية/امنية تحدد اسس العلاقة في اليوم الثاني لزيارة مشعل بعد إعادة تعريف المصالح, خاصة في ضوء سيناريوهات مفتوحة لمستقبل العملية السلمية, وتهديد حل السلطة الفلسطينية, ما يستدعي من القيادة السياسية الأردنية استخدام أوراق متعددة.
وهذا مآل حتمي في مواجهة تهديدات عدائية اسرائيلية غير مسبوقة, ونوايا مبيتة تؤشر إلى مؤامرة على الاردنيين والفلسطينيين معا في منطقة يزداد فيها النفوذ الإسلامي على حساب البعد القومي.
فالتحولات المتسارعة حولنا تتطلب تحركا أردنيا للعوم ليس كدولة فقط وإنما كنظام سياسي. ولا بد من تنويع الخيارات ورسم خريطة طريق داخلية عنوانها إصلاحات سياسية تحمي النظام, وإقليمية ودولية تساعد على مجابهة المخاطر.
فالأردن يستحق الاصطفاف على جبهة الرابحين في المخاض المستعر منذ ربيع تونس.
rana.sabbagh@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)