حرية الإعلام .. وعسر الدولة
د.مهند مبيضين
13-11-2011 02:35 AM
مهما كانت المعايير التي تُقيَّم بها القضايا التي يطرحها الإعلام ويعالجها، فإن الرد على أي خبر يجب أن يكون بذات الأدوات والآليات، فالقانون كفل ذلك، وبدون سيادة القانون في الدولة بكليّتها فإن ذلك يجعل الناس يلجأون إلى العنف والاستقواء على دور الإعلام في كشف الأخطاء والعلل والفساد وتحديد المسؤوليات في القضايا العامة.
والحوادث السيئة التي عصفت بحرية الإعلام كانت كبيرة خلال السنوات الماضية، واعتقد انها ستبقى ماثلة، لعدة أسباب، على رأسها وأهمها تطور وتنامي حالة "عسر الدولة" بمعنى أن هناك استعصاء على القبول بفكرة الدولة التي جوهرها سيادة القانون وحماية الحرية.
وما تعرضت له جريدة الغد، خلال عطلة العيد، تمثيل حي لغياب قوة الردع، رغم وجود قوى الأمن في قلب الحدث، وفي الحادثة رفض غير مقبول لأدوات الرد بشكل عقلاني ومهني وحتى لو كان الخبر يحتمل الخطأ، فما نشر في الغد حول هرب السفينة سور نشر في غيرها من وسائل الإعلام، مع احتفاظ كل وسيلة إعلامية بخطها وسياساتها العامة في التحرير التي تتأكد من صدقية الخبر وتصنع "المانشيت" له وتقرر حجمه وطريقة تقديمه للقارئ.
المهم أن سوابق الاعتداء على حرية الإعلام لم تحل دوما بأدوات تتناسب واهمية الحرية كقيمة، لا للمواطن ولا للمؤسسات الإعلامة، فتبدأ عادة الحلول بمنطق يماثل منطق الفزعة، وهنا ترضخ الأطراف إلى ذات المنطق وهو منطق الجاهات.
ليس هناك فرد محصن ولا مؤسسة محصنة من أخطاء المهنة، لكن هناك حالة من الارتباك تغيب خلالها العقلانية عن الدولة، فيُخلط بين حق الناس بالتظاهر وبين منطق القوة التي تفرض نفسها على باب جريدة وتحول دون توزيعها لساعات متأخرة، وهذا تصرف أقل ما يقال عنه أنه عيب وغير مقبول، لذلك فإن غياب القانون، وسيادة نمط الحلول التقليدية، وعدم تحمل اجهزة الدولة لمسؤوليتها في حماية الحرية والتعامل مع هذا الملف بتناقض شديد، يجعل النتائج مخيبة للآمال في مجال حرية الإعلام.
على أرض الواقع، نحن نشهد تكرارا لما يعزز تهديد الحرية، في الجامعات والصحافة والمستشفيات وغيرها، فالتهديد والضرب والتخريب تأتي من أفراد أو جماعات مرة بقوة النفوذ الشخصي ومرة بقوة الثروة ومرة بقوة العشيرة التي هي في جوهر دورها الاجتماعي انبل من ان تلصق بها سمت العنف، وهنا يجب الاعتراف بأننا في الأردن خسرنا الكثير في هذا الاتجاه ومرد الخسارة لغياب قيم الحرية والعدل واستعصاء القانون على التطبيق، وسيادة العادات التقليدية عندما يحدث الخطأ فيُفقد العقل وتنتصر الغوغائية على الإعلام الحر والمهني والمسؤول.
حتى الآن، ليس هناك سجل واضح لمصادر تهديد حرية الإعلام بعد، هناك تقارير تصدر عن مؤسسات ذات دور رقابي في مسألة الحرية، لكن خريطة التهديد التي لطالما اشارت لها جهود مركز حماية الصحفيين تحتاج إلى تعميم أكثر وتنوير ضد أدواتها التي تنال من الحرية الصحفية.
Mohannad974@yahoo.com
(الدستور)