ما زلنا نُصرّ، على أن النظام في سوريا، كان بإمكانه التعامل، مع ثورة شعبه، بالحوار والاسراع، على طريق الإصلاحات الجدية، بدل محاصرة المدن، والرد على العنف، بالعنف الأشد.
ولكن ما نلحظه منذ فترة، أن وسائل إعلام عربية ودولية، باتت تبالغ بشكل مكشوف، بما تنقله من أخبار، حول ما يجري على الأرض السورية، إذ ليس من المعقول، أن يصدق أحد، أن في كل ساعة، يسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وتُهدم أحياء بكاملها وكأن الحرب العالمية قامت هناك. في المقابل، يصر الإعلام المتعاطف مع سوريا، على أن الأمور هناك، أبسط مما يظن الجميع، وأن الاحتجاجات محصورة بأمكنة قليلة، على الأرض السورية. وهذا أيضاً، غير معقول، فأول خطوة في حل أي مشكلة، الاعتراف بها، وهذه المواقف الإعلامية، تؤكد أن الإعلام في العالم، لم يعد محايداً في نقل الحقيقة، وأن السياسة، باتت تحركه بشكل كبير.
ما يجري في سوريا منذ شهور عديدة، لا يمكن القبول باستمراره، فهذا الصدام، بين فئات كبيرة من الشعب والنظام، منذ بداية العام، يؤشر على الفجوة الكبيرة، القائمة بين الطرفين، ويؤكد أن الشعوب، لا يمكن أن تظل تحكم بالحديد والنار، وتظل صامتة.
سوريا اليوم، تقع بين فكي كماشة، لا يرحمان، إعلام غير محايد ومحرض، بشكل فاضح، وغرب متربص من جهة، ومن جهة أخرى، نظام مكابر ومصر، على حكم الناس، بفكر شمولي وقبضة حديدية، وعدم اعتراف حقيقي بالمشكلة.
ومع كل هذا، لا يحق لأحد، خصوصاً المعارضة السورية، أن يطالب بالتدخل الخارجي لحسم الأمر، فالتدخل المنشود، من قبل البعض، يعني بالنتيجة الحتمية، دماراً شاملاً، للبلاد والعباد، ولا يمكن لعربي أومسلم، أن يتقبل، قصف دمشق وشقيقاتها حلب وحمص وحماة ودرعا، وكل مدن الشام، بطائرات "الناتو"، التي لا تفرق بين مسلح وأعزل، ولا ترحم ضعفَ طفل وعجزَ كبير، ولا يمكن لأحد، أن يرضى، أن تدمر منجزات السوريين على الأرض، من أجل صراع على الحكم، بين النظام والخارجين عليه.
إن العرب جربوا التدخل الخارجي، ولمسوا نتائجه المدمرة، على الإنسان والأرض، منذ أن غضّوا الطرف، عن تدمير العراق، بحجة حماية شعبه، ومع هذا، لا يرضى أحد أيضاً، أن تظل آلة القتل منفلتة من عقالها، في سوريا، فعلى الحكام هناك، أن ينزلوا عن الشجرة، ويحاوروا شعبهم، ويصل الجميع إلى نتيجة، تحمي وطنهم وتسد الطريق، أمام الأطماع الخارجية فيه.
إن سوريا والسوريين اليوم، جميعهم في عين الثعلب الغربي المتربص، وإنْ ظلوا على هذا العناد في الصدام، فسيدفعون كلهم الثمن غالياً، ومن خلفهم العرب، وسيندم الجميع، يوم لا ينفع الندم صاحبه.
إننا نخاطب من منطلق الإسلام والعروبة، كل سوري، سواء كان حاكماً، أو محكوماً، أن يضع نصب عينيه، مصلحة بلاده ومستقبلها، بعيداً عن مطامع الحكم، وبالذات، المعارضة السورية، التي عليها أن تبتعد عن الارتباط بالخارج، وتكفّ عن التحريض، على ضرب بلادها، بحجة إسقاط النظام، فبقاء سوريا تحت نظام، يحكم بالنار والحديد حتى يتم التغيير من الداخل، سيكون أفضل للسوريين، من الدمار، الذي سيخلفه التدخل الخارجي، ليترك الناس، شعوباً وقبائل ليتقاتلوا.
سوريا اليوم، في عين النار، وعلى العرب، أن لا يكتفوا بمبادرات عاجزة، ليرفعوا الحرج عنهم، من باب إسقاط الفريضة فقط، فالتاريخ لن يرحم، كل من ترك بقعة الدم تكبر هناك، لأنها في النهاية، ستُغرق الجميع.
(الدستور)