"إلداد" .. يدرك المعنى .. دون تقدير للعقبى
د. محمد خلف الرقاد
05-11-2011 02:53 PM
ينجلي الموقف في البيئة السياسية المحيطة بالأردن على الصعيدين الداخلي والخارجي عن بانوراما سياسية بامتياز تدق ناقوس الخطر وتنبي عن سيناريوهات مكرورة تخبو حينا وتطفو على السطح حينا آخر ، وجميعها تصب في بوتقة التحديات التي يتعرض لها الأردن على صعيد السياستين الداخلية والخارجية .
وتتبلورهذه البانوراما السياسية على المشهد السياسي بشكل تصريحات إسرائيلية غير مريحة وتسريبات إخبارية من دوائر غربية ـ حسب وسائل إعلام مختلفة ـ وكلها ذات علاقة بالوطن الأردني العزيز ، وفي هذا المقام فإن الأمر يفرض على النخب السياسية الحاكمة وغير الحاكمة وقادة الرأي أن تكون عيونهم مفتوحة ، وأن لاينشغلوا بالمهم عن الأهم ، بعيداً عن مصلحة الوطن العليا واستمرارية دوره الاستراتيجي وبقائه في المنطقة . ويمكن تلخيص هذه البانوراما السياسية بعدة مواقف وأحداث من أهمها :
أولاً : على الصعيد الخارجي وتتمثل بالتصريحات الإسرائيلية التي تترجم قول وفعل هذه السياسات المتعنتة والمتطرفة والتي ترد في وقت شبه يومي على ألسنة النخبة السياسية الحاكمة مثل : " نتنياهو وليبرمان وإلداد " وغيرهم ممن يحملون التوجه نفسه ، وهي معروفة للجميع ، لكن الخطير فيها هي مقولة المتطرف " إريية إلداد" عضو الكنيست الإسرائيلي الذي أخذ في الآونة الأخيرة يجدد دعواته ويرفع عقيرته منادياً بإقامة الدولة الفلسطينية في الأردن بقوله إن : " الأردن هو فلسطين ،والأردن ذاهب " ، والأخطر من ذلك قوله : " إن الخطة قد تتحقق في حال اندلاع اضطرابات في الأردن كما حدث في ليبيا ومصر، وإنه يجب على إسرائيل أن تستعد لمثل هذا الاحتمال " ، ومن هذه التصريحات أيضا طلب نتنياهو من السلطة الوطنية الفلسطينية فتح قنوات سرية لاستئناف مفاوضات السلام ، وقوله : " إن السلام لايتحقق عبر قرارات الأمم المتحدة وإنما بالمفاوضات المباشرة " مشيراً بذلك إلى النصر الذي حققته السلطة الوطنية الفلسطينية بالموافقة على أن تصبح عضواً في الهيئة الدولية " اليونسكو " ، ويضاف إلى ذلك تصاعد حمى الموافقات على بناء المستوطنات ، وما يرافق ذلك من تهجير للفلسطينيين من القدس الشرقية وتوجيه المزيد من الضربات إلى غزة.
أما على الصعيد الغربي فهناك الموقف الأمريكي القاضي بالتهديد باستخدام الفيتو عند التصويت على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ، إضافة إلى تصريحات ومواقف أخرى على الصعيد الخارجي كلها تصب في بوتقة دعم وإسناد السياسة الإسرائيلية القائمة حالياً ، مع ما يصاحب ذلك من تسريبات إخبارية عبر وسائل إعلام ودوائر غربية وأنباء عن خطط إسرائيلية يجري تطويرها ليكون الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين .
ثانياً : على الصعيد الداخلي حيث يدرك جلالة الملك عبدالله الثاني أبعاد هذه السياسات الإسرائيلية المتطرفة ، وأبدى ذلك غير مرة من خلال لقاءات ومقابلات مع صحف أجنبية ، ولكن جوابه كان حازماً بأن لدينا من الوسائل ما يمكننا من حماية وطننا بكل كفاءة واقتدار ، وعلى صعيد السلطة الوطنية الفلسطينية التي تسعى إلى قطف ثمار جهودها على طريق بناء الدولة الفلسطينية ، فقد حققت خطوة على ذات الطريق حيث أصبحت فلسطين عضواً في المنظمة الدولية "اليونسكو"، وما تزال تغذ الخطى في طرق باب الجمعية العامة لنيل موافقتها بحيث تصبح فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة ، ويقابل ذلك تلويح أمريكي بالفيتو، وعصي في الدولايب من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي ، الأمر الذي حدا برئيس السلطة الوطنية الفلسطينية للتلويح بتقديم استقالته ، مما يفتح باباً غير محمود العقبى قد يشل الاستقرارفي المنطقة . وعلى الساحة السياسية في الأردن توالت تصريحات على لسان الحكومة الأردنية مفادها فتح ملف العلاقات مع المنظمة الفلسطينية "حماس" التي غاب وجودها عن الأردن بقرار حكومي منذ عام 1999.
كنت قبل أيام قلائل أتحدث لطلابي عن العلاقات الأردنية الفلسطينية ، وقلت لهم : شئنا أم أبينا نحن كأردنيين وفلسطينيين معاً مفروضون على بعضنا البعض بحكم علاقات التاريخ والجغرافيا والدين واللغة والثقافة وروابط الدم والقربى والمصاهرة ، وكل هذا يأتي في الإطار الاجتماعي وفي باب التعاطف والتواد والتراحم ، لكن ثمة مواقف يسجلها التاريخ بمداد من دماء الشهداء ، وقد لا آتي بجديد... إذا استذكرت مواقف القيادة الهاشمية عبر العقود الماضية وإذا عدت إلى عام 1920 لأذكر بأول شهيد أردني على أرض فلسطين وهو كايد المفلح العبيدات ، كما أنه لايزال دم الشهيد محمد الحنيطي ساخناً في ذاكرة الأردنيين والفلسطينيين ، وكذلك ما زالت أرواح شهداء الجيش العربي الأردني تحوم في سماء الذاكرة فوق روابي القدس وجنين ونابلس ورام الله والخليل واللطرون وباب الواد وغيرها ، كما تختزن ذاكرة الوطن بمواقف عشائر الأردن عبر عقود العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم من الحويطات وعشائر الكرك والطفيلة ومعان وبني صخر والبلقاء وعباد وبني حسن وبوادي الشمال والعشائر الأردنية في إربد وعجلون وجرش والأغوار وفي كل المدن والقرى الأردنية ـ مع الاعتذار لمن لم يرد ذكره ـ حيث كانوا يستقبلون الثوار الفلسطينيين ، ويمدونهم بالأسلحة والمؤن والذخائر ناهيك عن انخراط الكثير منهم في جيش الانقاذ ، وما أود تأكيده هنا هو عمق العلاقة الأردنية الفلسطينية المتجذرة دون منة ، فهي واجب أخوي رسمي وشعبي .
ما يمكن التعبير عنه هنا هو أن التعنت الإسرائيلي والسياسات المتبعة حالياً تهدد بل هي كافية بالإطاحة بحل الدولتين بجدارة ، فليس من المعتقد أن تفوت الإسرائيليين خطورة تلويح الرئيس الفلسطيني بالاستقالة من رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية ، فإسرائيل ليست بعيدة عن ربيع فلسطيني قادم من رحم الربيع العربي ، وربما ليست ببعيدة عن ربيع إسرائيلي داخل إسرائيل نفسها ، ذلك لأن السلام مطلب حيوي للإسرائيليين قبل العرب . على صعيد آخر أحسب أن التطرف الإسرائيلي الذي جاء على لسان " إلداد " عضو الكنيست غير آت من فراغ رغم وجود اتفاقية سلام أردنية إسرائيلية ، واعتقد إذاكان " إلداد" يدرك معناه فإنه من المؤكد لم يقدر عقباه، ولكنها سياسة المكابرة والغرور التي ما زالت تعشعش في ذهنية العديد من المتطرفين أمثال إلداد .
وما يمكن قوله هنا بأن العلاقة الأردنية الفلسطينية كانت وما زالت وستبقى متميزة رغم رياح التقاطع التي قد تهب بين الفينة والفينة ، إلا أنها لم تكن ولن تكون في يوم ما للأردنيين على حساب الفلسطينيين ولا للفلسطينيين على حساب الأردنيين ، انما علاقات تكامل استراتيجي ، مع إدراك ومعرفة كل طرف لحقوقه وحدوده ، والكل يعرف بأن الأردن هي الأردن وفلسطين هي فلسطين .
وهنا لست من المتعجلين بالحكم على موضوع جسر الفجوة في العلاقة مع المنظمة الفلسطينية حماس التي تشكل تنظيماً فلسطينياً للموقف الرسمي الأردني منهجية في التعامل معه أسوة بباقي التنظيمات الفلسطينية ، وقد أشارت لذلك التصريحات الحكومية الرسمية ، ولكنني أؤكد أني من المتعجلين في ضرورة البحث عن صياغة لخطاب أردني رسمي مدروس يرتب علائقنا الخارجية مع محيطنا على المستوى الاستراتيجي ، ويتعامل مع السياسات الإسرائيلية الحادة التي لا تتردد في الترويج لمقولات أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين ، مع الإدراك الذي يصل إلى حد اليقين بأن الفلسطينيين لا يرضون أبداً ببديل عن وطنهم فلسطين ولو عرضت عليهم الدنيا بما فيها ، وذلك إيمانا منهم أن الوطن لايشترى ولا يباع ولا يستبدل ولو بقطعة من الجنة .
وعلى ما توالى من تصريحات على الصعيد الداخلي على لسان الحكومة الأردنية بخصوص بعض المواقف والسياسات الحكومية السابقة يمكن التفهم بأنها قد تساعد على تخفيف الاحتقان السياسي على الساحة والخروج من نفق الأزمة وقد تخدم سياسات أخرى الهدف منها تشكيل عامل ردع سياسي ونفسي ، لكن في المقابل يمكن القول بأن السياسات والانجازات الحكومية على صعيد الوطن بشكل عام هي تراكمية ، وإن كانت المعطيات والأوضاع والمستجدات على الساحات السياسية قد تتغير من حين إلى حين ، إلا أن دبلوماسية التصريحات قد تكون أكثر قدرة على إيصال الرسائل دون المساس بتراكمية الإنجاز،فقلب السياسات دون سابق إنذار لايمكن أن يخدم تراكمية الإنجاز ، ولا بد من أن يقود إلى مزيد من نزع الثقة بين المواطن والمسؤول ، وإذا كان هناك من أخطاء دستورية فيمكن تصحيحها بمعالجات دستورية .
والسؤال الذي ينتظر الإجابة من الحكومة الجديدة ــ والتي نأمل منها بيانا وزارياً يستجيب للمطالب ــ هو هل ستجترح هذه الحكومة خطاباً سياسياً أردنياً مدروساً يواجه المقولات الإسرائيلية الخاصة بالأردن كوطن بديل للفلسطينيين ....؟ ، وينظم علائقنا الخارجية مع المحيط السياسي ...؟، فالأردن فوق كل التناقضات وفوق كل السياسات و المصالح الشخصية والآنية ... وستكون من دونه المهج والأرواح.