المؤتمر الوطني الاردني الاول
د. محمد المناصير
03-11-2011 03:50 AM
عقد المؤتمر الوطني الأردني الأول 25 تموز 1928 في مقهى حمدان في العاصمة الاردنية عمّان، وقد حظي المؤتمر الوطني الأول، والميثاق الوطني الصادر عنه، بمكانة خاصة في ذاكرة الأردنيين السياسية ، يستحضرونها في كل منعطف أو أزمة سياسية، كلما واجه الأردن تحدٍ جديد .
لقد ولدت الحركة الوطنية الأردنية المنظمة ، وشَكَّلَ الميثاق الوطني الذي صدر عنه أول تعبير سياسي عن الوطنية الأردنية. ومن المعروف أن شرقي الأردن كانت تتبع الحكومة العربية في دمشق، بقيادة الملك فيصل الأول ، بعيد انحسار هيمنة الحكم العثماني عن البلاد العربية. ومع سقوط حكومة فيصل واستيلاء الفرنسيين على دمشق وبسط انتدابهم على سورية الشمالية، تحوّلت شرقي الأردن إلى ملاذ للاستقلاليين العرب، حيث التف حولهم الوطنيون الأردنيون. وفي أيلول/ سبتمبر من العام1920، قدم الأمير عبدالله الأول من الحجاز إلى معان حيث تحالف معه رجالات حزب الاستقلال، بغية تحويل الإمارة إلى قاعدة ارتكاز لتحرير البلاد السورية من النفوذ الفرنسي. وقد شكل هؤلاء، إضافة إلى العاملين في حكومة فيصل بدمشق، نواة الإدارة وقوات الأمن، التي تشكلت مع قيام أول حكومة مركزية في شرقي الأردن، في نيسان/ أبريل من العام1921.
في ظل هذه الظروف، أُبرمت المعاهدة الأردنية - البريطانية في شباط/ فبراير من العام 1928، وتلا ذلك في نيسان/ أبريل من العام نفسه، نشر القانون الأساسي لشرقي الأردن (الدستور)، الذي استمدَّ مواده من روح المعاهدة المذكورة، من دون أن يكون للأردنيين رأي فيه، وفي 17 حزيران/ يونيو من ذلك العام، نشرت حكومة حسن خالد أبو الهدى قانون انتخاب أعضاء المجلس التشريعي الأول، وذلك لإضفاء الشرعية على المعاهدة الأردنية – البريطانية، والقانون الأساسي.
وقد جوبهت المعاهدة الاردنية – البريطانية بتظاهرات واسعة عمت المدن الأردنية، في آذار/ مارس، ونيسان/ أبريل، وحزيران/ يونيو 1928، فيما أمطر المواطنون الحكومة ببرقيات ومذكرات الاحتجاج على إبرام المعاهدة، وتصاعدت الدعوات إلى مقاطعة التسجيل للانتخابات، وعدم ممارسة الاقتراع.
على هذه الخلفية ، جاء انعقاد المؤتمر الوطني الأول في 25 تموز/ يوليو من العام 1928، بحضور نحو 150 شخصية يمثلون مختلف ألوية الأردن، وقد تبنّى هؤلاء ميثاقاً ضَمَّ عدداً من المطالب السياسية، تمحورت حول: المطالبة بالاستقلال والسيادة؛ قيام حكومة دستورية مستقلة؛ إرساء قواعد الحكم على أسس من الدستور والنظام النيابي؛ رفض وعد بلفور الخاص بفلسطين، إعادة تنظيم العلاقة مع بريطانيا بما لا يمس السيادة الأردنية.
وقد توّج المؤتمر أعماله بانتخاب لجنة تنفيذية موسعة لمتابعة قراراته والسهر على تنفيذها، ومن هؤلاء اختيرت لجنة إدارة مصغرة، برئاسة حسين باشا الطراونة، كقيادة للنضال السياسي الأردني. تألفت اللجنة التنفيذية من كل من : عن عمان ؛ هاشم خير وسعيد المفتي وطاهر الجقة وشمس الدين سامي وشاهر الحديد وطارق سلمان ، وعن البلقاء ؛ مثقال الفايز وحديثة الخريشة ومحمد الحسين ونمر الحمود ونمر العريق وسالم أبو الغنم وماجد العدوان وسليم البخيت ويوسف طنوس ، وعن لواء عجلون ؛ راشد الخزاعي وسليمان السودي وعلي نيازي وعبد العزيز الكايد وسلطي الابراهيم ومحمد العيطان ، وعن الكرك ؛ حسين الطراونة وعطوي المجالية وعط الله السحيمات وسلامة الشرايحة ومصطفى المحيسن ، وعن معان ؛ حمد بن جازي وإبراهيم الرواد وخشمان أبو كركي ومحمد قباعة ، كما حضر المؤتمر كل من : محمد العواد وإسماعيل السالم وطاهر أبو السمن واحمد الخطيب وصالح خليفة وفلاح الحمد وسعيد عطية وعبد الرزاق الحاج سالم وعبد الله الفرح وعيسى قعوار وسعيد أبو جابر وعبد الله الداوود وفوزي النابلسي وعبد الحليم العميري ومحمد المبارك والحاج كلمات وحسين الخاص وعبد الله دعيبس ومطلق أبو الغنم وحامد الشراري وسليمان مطر وعبد الكريم محمد ، ومحمد الرفاعي وسيدو الكردي وعبد الرحيم جردانة وعلي الكردي وأبو الخير الكردي وإسماعيل حقي ويوسف البلبيسي ومحمد سعيد حلاوة ورضا القاسم وفالح السمرين وسالم السعد ومحمود الفنيش وتركي الكايد وناجي العزام ومحمد السعد وسالم الهنداوي ومراد صقر ومحمد أبو بقر وسعود العلي وعبطان الغرير وحسين حسن محرم ومحمد المفلح وسالم المحمد وزعل العودة الله ومفلح السعد ومنصور القاضي .
من ناحية أخرى، أسهم المؤتمر الوطني الأول، باعتباره التجسيد التنظيمي المبكر للحركة الوطنية الأردنية، في تعميق الترابط الكفاحي بين الأردن وفلسطين. هذا الترابط الذي سرعان ما تأكد في مواقف المؤتمرات الوطنية اللاحقة، وفي الدور الذي لعبته اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني في دعم ومساندة الثورات والهبّات الفلسطينية المبكرة، لا سيما ثورة آب/ أغسطس من العام 1929. وكان من الملفت للانتباه أن اللجنة التنفيذية للكومنترن (الأممية الثالثة) قد عَدَّت أحد أسباب تلك الثورة في فلسطين، هو "الهيجان الجماهيري في شرقي الأردن بسبب المعاهدة المبرمة مع الإنجليز". في المقابل، نجد أن الانجليز لجأوا أثناء الانتفاضة المذكورة في فلسطين إلى استخدام المدفعية لوقف موجات المتطوعين الأردنيين إلى فلسطين.
لقد استمرت صيغة المؤتمرات الوطنية، باعتبارها الشكل التنظيمي الرئيسي للعمل السياسي الوطني الأردني، لعدة سنوات لاحقة. فقد انعقد بعد ذلك المؤتمر الثاني في 11أذار/ مارس 1929في مقهى حمدان ، والثالث في 22 أيار/ مايو 1930 في منزل عبد القادر التل في اربد ، والرابع في آذار/ مارس 1932. وعقد المؤتمر الخامس في فندق الكمال في عمان في 6/6/1933، حيث تميزا بمشاركة الدكتور صبحي ابو غنيمة مؤسس الحزب العربي الاردني المعارض . وتكمن أهمية هذه المؤتمرات في أنها جسدت إرادة الشعب الأردني في رفض معاهدة 1928 والانتداب البريطاني ، وتبنيها لمبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية، وتكريس مسؤولية الحكومة أمام المجلس النيابي المنتخب من الشعب.
كما دعا المؤتمر الى اعتبار الارض مملوكة او موقوفة لعدم تسلل اي متر منها للوكالة اليهودية التي كانت تحاول انذاك شراء او استئجار اراضٍ في شرق الاردن, مثل غور كبد والباقورة لمشروع روتنبرغ " توليد الطاقة".
وانحصرت مطالب المؤتمر في الامور التالية:-
1- امارة شرقي الاردن دولة عربية مستقلة ذات سيادة بحدودها الطبيعية المعروفة.
2- تدار بلاد شرقي الاردن بحكومة دستورية مستقلة برئاسة صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن الحسين المعظم واعقابه من بعده.
3- لا تعترف بلاد شرقي الاردن بمبدأ الانتداب الا كمساعدة فنية نزيهة لصالح البلاد وهذه المساعدة تحدد بموجب اتفاق او معاهدة تعقد بين شرقي الاردن وحليفة العرب بريطانيا العظمى على اساس الحقوق المقابلة والمنافع المتبدالة دون ان يمس ذلك بالسيادة القومية .
4- تعتبر شرقي الاردن وعد بلفور القاضي بانشاء وطن قومي لليهود بفلسطين مخالفا لعهود بريطانيا ووعودها الرسمية للعرب وتصرفا مضادا للشرائع الدينية والمدنية والعالم .
5- كل انتخاب للنيابة العامة يقع في شرقي الاردن على غير قواعد التمثيل الصحيح وعلى اساس عدم مسؤولية الحكومة امام المجلس النيابي لا يعتبر انتخابا ممثلا لادارة الامة وسيادتها القومية ضمن القواعد الدستورية بل يعتبر انتخابا مصنعا لا قيمة تمثيلية صحيحة له والاعضاء الذين ينتخبون على اساسه اذا فصلوا بحق سياسي او مالي او تشريعي ضار بحقوق شرقي الاردن الاساسية لا يكون لفصلهم قوة الحق المعترف به من قبل الشعب بل يكون فصلهم جزءا من اجزاء تصرفه السلطة الانتدابية وعلى مسؤوليتها.
6- ترفض شرقي الاردن كل تجنيد لا يكون صادرا عن حكومة دستورية مسؤولة باعتبار ان التجنيد جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية.
7- يرفض شرقي الاردن تحمل نفقات أي قوة احتلالية اجنبية وتعتبر كل مال يفرض عليها من هذا القبيل مالا مغتصبا من عرق عاملها المسكين وفلاحها البائس.
8- تـرى شرقي الاردن ان مواردها اذا منحت حق الخيار بتنظيم حكوماتها المدنية كافية لقيام ادارة دستورية صالحة فيها برئاسة سمو الامير المعظم صاحب الامارة الشرعي اما الاعانة المالية التي تدفعها الحكومة البريطانية فأن بلاد شرقي الاردن تعتبرها نفقات ضرورية لخطوط المواصلات الامبراطورية وللقوى العسكرية المعدة لخدمة المصالح البريطانية ليس الا لذلك فأن هذه الاعانة التي يضاف اليها اليوم قسم من واردات البلاد لتحقيق غايات لا مصلحة لشرقي الاردن فيها كما هو الواقع لا تخول بريطانيا العظمى حق الاشراف على مالية شرقي الاردن هذا الاشراف المركزي الضار الواقع اليوم ولهذا فأننا نعتبر الوضـع المالي الحاضر المبني على سياسة تخفيف الاعانة المالية عن عاتق المكلف البريطاني على حساب المكلف الاردني عبارة عن وضع ضار غير مشروع لا تتحمله موارد البلاد ومن الواجب ابطاله واستبداله بنظام يؤيد استقلال حكومة شرقي الاردن المالي مقررين ان التصرف المالي الحاضر لا يجوز صدوره عن حليفة غنية كبريطانيا بالنسبة لبلاد فقيرة كشرقي الاردن.
9- تعتبر بلاد شرقي الاردن كل تشريع استثنائي لا يقوم على اساس العدل والمنفعة العامة وحاجات الشعب الصحيحة تشريعا باطلا.
10- لا تعترف شرقي الاردن بكل قرض مالي وقع قبل تشكيل المجلس النيابي.
11- لا يجوز التصرف بالاراضي الاميرية قبل عرضها على المجلس النيابي وتصديقه عليها وكل بيع وقع قبل انعقاد المجلس يعتبر باطلا .