رئيس الحكومة وتحريك المياه الراكدة
المحامي محمد الصبيحي
03-11-2011 03:47 AM
لم يطلق رئيس الوزراء حتى الآن برنامج عمل متفقا عليه في الحكومة، والسبب أن تشكيل حكومة يلتقي معظم وزرائها لأول مرة وجها لوجه لا يمكن أن تأتي ببرنامج قبل التعرف على الأفكار والتوجهات والرؤى المشتركة.
ولكن الرئيس الخصاونة حرك المياه الراكدة عندما فجر أثناء زيارته الى النقابات المهنية حقول ألغام لم يجرؤ أحد على دخولها من قبل، فلأول مرة يعترف رئيس حكومة أردنية منذ عشرين عاما أن لدينا سجناء سياسيين عندما قال (أن الحكومة تدرس جديا الافراج عن المحكومين السياسيين)، وفي الحكومة السابقة ومن سبقها كنا نسمع الرؤساء يصرحون أنه لا يوجد في الأردن سجناء سياسيون، فلم تكن الحكومات تعترف بوجود جريمة سياسية في قانون العقوبات، وحتى محاكمنا درجت في حالات كثيرة على هذا المفهوم حين قررت حرمان الناشطة والكاتبة السياسية توجان فيصل من الترشح للانتخابات النيابية بسبب وجود حكم قضائي ضدها لم تعتبره المحكمة حكما في جريمة سياسية.
إذن الآن أصبح معتقلو السلفية سجناء رأي سياسي ومثلهم سجناء تنظيمات غير مرخصة ولن تستطيع أي حكومة لاحقة أن تغمض عينيها عن حقيقة وجود سجناء (أيديولوجيا) مخالفة لنهج وفكر الدولة والنظام.
وفي مفاجأة محبطة لهيئة مكافحة الفساد قال الرئيس أن هيئة مكافحة الفساد ليست المكان الامثل لمحاسبة الفاسدين وأن الأمر يجب أن يكون بيد النيابة والقضاء، وهذا كلام جميل من الناحية النظرية أما من الناحية العملية فان الحقيقة المؤلمة التي لانستحبها كرجال قانون أن الفاسدين سعيدون بتصريح الرئيس لسبب بسيط وأن كل واحد منهم يرتعد خوفا عندما يصله استدعاء لمراجعة هيئة مكافحة الفساد، وأن كل دوائر الدولة بما فيها الاجهزة الامنية تسارع الى الاجابة على أي طلب أو استفسار أو وثيقة تطلبها هيئة مكافحة الفساد في حين لا يلتفت أحد بعناية الى طلبات المدعين العامين حتى في مراكز الأمن العام فان المدعين العامين يقعون في (حيص بيص) التعامل مع ضباط الشرطة ومراقبة حالات التوقيف التي تتجاوز على القانون يوميا بالعشرات وأكشف سرا اذا قلت أن كل جهاز النيابة العامة سيعجز عن متابعة موقوف تتنقل به سيارة الشرطة من مركز أمني إلى آخر بحجة وجود طلبات عليها، وكلها وهمية بهدف ابقائه قيد التوقيف.
هيئة مكافحة الفساد لديها نيابة منتدبة من القضاء ولديها ضابطة عدلية تمرس أفرادها في التحقيقات على مدى سنوات واكتسبوا خبرات وتصل الملفات الى المدعي العام شبه مكتملة بينما نجد في دوائر القضاء ملفات وتحقيقات من الضابطة العدلية أقل ما يقال فيها أنها صك براءة مسبق لمجرم يكاد يعترف بجريمته.
وفي رأيي أن دولة الرئيس قال ما قال استنادا على ما قرأ وتعلم في كتب القانون وأعرافه المثلى وليس الى الواقع العملي الملموس بالتجربة والمشاهدة على الارض.
وحول ما يقال عن سحب الجنسية قال الرئيس (أن تنام أردنيا وتصبح مسحوب الجنسية عيب) وهذا كلام صحيح ولكن السؤال هل يعني دولته أن حكومات سابقة مارست هذه السياسة ؟؟ المناقضة لنص دستوري وتشكل جريمة ؟؟
وأخيرا دخل الرئيس الحيز الحرج حين صرح بأن (ابعاد قادة حماس خطأ دستوري وسياسي) وهذا التصريح ان لم يكن القصد منه التمهيد لصفقة تدور في الكواليس لعودة مشعل ورفاقه الى الاردن فانه سيتسبب بارباك سياسي وستبدأ عما قريب مطالبات النقابيين والناشطين بتصحيح (الخطأ الدستوري والسياسي) الذي اعترف به رئيس الوزراء.
(الرأي)