ثمّة أسئلة: إلى متى يستمر امتحان التوجيهي في فرز الطلبة وتحديد خياراتهم؟ وأين استقرت الوعود لتطوير التوجيهي أم بقيت قيد تشكيل اللجان وأوراق العمل.. أين البدائل التي تواكب التجدد وترفع هذا العبء الدراسي والنفسي؟.
انني أشعر برغبة مُرّة للضحك كلما تذكرت تجربتي في عام 89 على مقاعد الثانوية العامة، ولغاية الآن لا شيء تغيّر. أزعم أنني كنت متفوقة، لكن ماحصل حينها في امتحان التوجيهي لا يعكس الواقع ولا يمكن أن يقارن بالقدرة الحقيقية والجهد المبذول.
حصلنا يومها على النتيجة، وحرت مع صديقة لي ماذا نفعل، وكيف الطريقة المثلى لإخبار الأهل الذين لن يرضوا بالمعدّل!. أتذكر كيف تربّعنا في البرد القارس تحت المطر، وقد أصابتنا حالة غريبة من الضحك والبكاء، كانت قوانا متهالكة أصلاً من العبء النفسي طوال فترة الامتحانات. هذه الذكرى بعد عشرات السنين لم تمح من ذاكرتنا رغم أننا تقدمنا إلى نجاحات أكبر وأهم في الحياة من نظام تقييمي غير عادل، مع ذلك تعتبر هذه المرحلة، التوجيهي، القول الفصل في تحديد المصير الدراسي في المستقبل وفي صياغة مفهوم النجاح أو الفشل لدى الطلاب.
لذلك كله ليس من الغريب أن ترى طلبة الثانوية العامة عند تحصيل النتائج يبالغون بالمشاعر السعيدة في حالة التفوق، أو يحبطون ومنهم من ينتحر لأن المسكين يرى أحلامه قد نحرت بسبب رسوبه أو فشله في تحقيق معدل مأمول.
أشفق على طلاب التوجيهي إذ أن أفقهم من الرهبة لا يتسع لرحابة الحياة بما فيها من محطات قادمة تستطيع أن تملأهم بالأمل والتفوق.. فهناك مراحل علمية قادمة يثبتون فيها نجاحاتهم، ثم النجاح في العمل والترقية وإبداعات عمليّة متتالية، ثم خبرات حياتية مهمة وفرص يمكن تقسيمها على اكثر من مشروع حياتي.
الزمن يتطور والطالب لازال يتوهم منذ مراحل دراسته الأولى بأن مستقبله ينحشر بمحطة وحيدة فقط، التوجيهي. ناهيك عن الخوف والقلق الذي يتلبس طالب التوجيهي وهو يستمع للتنظير بضرورة مضاعفة جهده واضطراره إلى دروس التقوية ومايتبعها من تكلفة، كل هذا يحصل وذهنيتنا عاجزة أن تتفتق عن بدائل أكثر انسانية وموضوعية لمرحلة دراسية فارقة. فلماذا يستمر هذا الإحباط المبكّر لمزيد من الأجيال، أضف إلى ذلك التوتر العائلي والمجتمعي المرافق لعقد الامتحان.. لا بل، وإشغال أجهزة الدولة!.(الراي)
رنا شاور