"هستيريا" التسوق وحمى ارتفاع الأسعار
عماد عبد الرحمن
10-09-2007 03:00 AM
إذا أردت أن تعرف ماذا يحدث في أسواقنا التجارية عشية حلول شهر رمضان المبارك، فما عليك سوى التوجه الى أسواق المؤسسة الاستهلاكية المدنية، لترى بأم عينيك حجم وفظاعة "هستيريا" التسوق التي وصل إليها حالنا، وخلال تجولك في أسواق المؤسسة ،تفزع على أصوات تخرج من إحدى الزوايا في السوق ، ليدفعك فضولك للذهاب الى مكان الفوضى لتكتشف أن الصراع بين جمع كبير من المواطنين يدور على الفوز بعبوة حليب من نوح"حليبنا"،هذه "المعركة"لا تستثني الرجال أو النساء،وحتى الوافدين من الجنسيات العربية. وعلى رغم حرص إدارة المؤسسة تكديس "رفوف" المؤسسة بكافة أنواع السلع والبضائع بعد سلسلة انتقادات عبر وسائل الإعلام، إلا أنها لم تنجح في تغطية حاجة المواطن من السلع التي يحتاجها المواطن في رمضان،وعلى رأسها مادة الحليب و اللوز والجوز ، لذلك تجد المواطنين يتهافتون "لخطف" اكبر كمية من هذه المواد، فور فتح العبوات الكرتونية الخاصة بها.
يعكس هذا السلوك،حجم الفوضى التي عمت أسواقنا التجارية،ابتداء من ارتفاع أسعار المواد الأساسية والخضار والفواكه،وانتهاء بتدخل على أعلى المستويات في بلدنا لكبح جماح الأسعار،بعد أن وصلت الى مدى لا يمكن قبوله لانعكاساته الخطيرة على ذوي الدخل المحدود والمتدني، في وقت كانت فيه القيادة السياسية تتدخل قبل أسابيع قليلة لوقف قرار لرفع أسعار المشتقات النفطية،حرصا على أوضاع الطبقات المتوسطة الدخل والفقيرة من ارتفاع اسعار غالبية السلع كما حدث في الأسبوعين الأخيرين.
لنعترف أننا نفتقر لوجود مؤسسات مجتمع مدني قادرة على الضغط على التجار والموزعين،لكبح جماح حمى ارتفاع الأسعار في الأسواق،ورغم وجود جمعية لحماية المستهلك، إلا أنها لا تحرك ساكنا إلا بعد ان تأخذ أزمات السوق والأسعار مداها كاملا، وهي لا تتحرك إلا بعد ان نرى تحركا للوزراء أو كبار المسئولين،على الرغم من أنها يجب ان تكون أول من يدق جرس الإنذار في مثل هذه الحالات،وإن تحركت تكتفي بتصريح او بيان صحفي يدعو ويأمل من التجار.....الخ.
بعد ان دخل الأردن ضمن منظومة "اقتصاد السوق" وانضمامه لمنظومة اقتصادية عالمية بالغة التعقيد تفرض عليه سلسلة التزامات واستحقاقات، أبرزها تحرير الأسعار وتحفيز التنافسية، كان لزاما على خبرائنا الاقتصاديين،البحث عن وسائل لضمان عدم وقوع حالات فوضى سوقية موسمية، بمعنى إيجاد مؤسسات بديلة عن وزارة التموين ووزارة الصناعة والتجارة التي قلصت صلاحياتها،لإدارة الأسواق التجارية في مختلف محافظات المملكة،تضمن الحفاظ على مستويات معقولة ومقبولة للأسعار بغض النظر عن تنامي محفزات السوق الأخرى مثل ازدياد حصص التصدير من البضائع والمنتجات أو ازدياد الطلب على سلع معينة في مواسم معينة.
أيضا يرتبط موضوع ارتفاع الأسعار بسلوكيات غريبة يمارسها مواطننا على الأغلب قبيل حلول شهر رمضان أو الأعياد، حيث ترتبط هذه المناسبات في العادة لدى مواطننا الكريم،بحمى التسوق وتكديس البضائع والمواد الغذائية والمعلبات في المنازل، وكان هذه المناسبات الدينية أضحت مناسبات لزيادة الاستهلاك من الأغذية ،بدل من ان تكون مناسبات للعبادة وصفاء النفس والتقوى وتوثيق التواصل مع الخالق عزوجل.
إذا أردنا كمواطنين ان نجبر التاجر الجشع والبائع الساعي الى الربح السريع،على التراجع عن غلائه واستغلاله،يجب علينا ان نبدأ بأنفسنا أولا عبر مراجعة النمط والسلوك الاستهلاكي الدارج في مجتمعنا،فما هي الحاجة لملىء "عربات"التسوق عن بكرة أبيها وقبيل شهر رمضان، إذا علمنا ان الأسواق مفتوحة طوال شهر رمضان المبارك،والبضائع ستبقى متوفرة في معظمها على أرففها،كما ينبغي علينا ان نتذكر قوله تعالى "كلوا واشربوا ولا تسرفوا.."،ففي رمضان شهر العبادة والغفران كانت الحكمة والدلالة بينة في تخفيض وجبات الطعام من ثلاث وجبات الى وجبتين،لتحفيز الناس على الشعور مع الفقراء ومحاربة التبذير والإسراف.
لقد عزت ظاهرة العولمة كافة نواحي الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، هي مرشحة بما نشهده من أمراض استهلاكية غريبة لغزو معتقداتنا الإيمانية والدينية،في حال استمر الحال على ما هو عليه،من هوس وشغف بأنماط استهلاكية غير معهودة في مجتمعنا.
*صحفي في جريدة الرأي