ما بعد السياسة .. ما بين "كن فيكون" و "كل يوم هو في شأن" !
د. وليد خالد ابو دلبوح
01-11-2011 03:42 PM
ان سرعة وتيرة ما يجري من أحداث اليوم في شوارع عالمنا العربي يدعو ليس فقط للدهشة والعجب ولكن يستدعي جدّية في التدبر والتأمل والتعقل, في الوقت الذي عجزت عبقريات العلوم ومدونات وكرّاسات علمائها من تنبأ موعد وأسباب الزلزال السياسي المعاصر أوتفسير عقلاني ومنطقي لمسببات الاحداث ومحدثاتها. ان جنون الاحداث وشدّة وتيرتها وتسارعها, يجعلنا نتسائل:
أين كان المنجمون والعرّافون والمشعوذون والمتنبؤون قبل أيام فقط من اندلاع "ثورة" الربيع العربي؟ وأين كان المحللون والمنظّرون والمختصون والمفكرون قبل ساعات فقط من هبة الشارع العربي؟ وأين كانت تلك الدراسات المستقبليه وغير المستقبلية والدراسات الشرق أوسطية والغير أوسطية والابحاث في الشؤون العربية والشؤون المتوسطية وشمال افريقية والدراسات والرسائل والتوصيات من بغتة الحاضر؟ أين كانت تلك المراكز العملاقة والمعاهد الرنّانة, وأين كانوا الراسخون في "العلم" وأصحاب الفكر وأصحاب الرأي وأصحاب الخبرة وأصحاب القرار وأصحاب النفوذ وغيرهم من الحالمون والمشيّدون والهائمون, سائرون وعازمون وماضون في مشاريعهم واّمالهم وامانيهم وقد فاجئهم ما فاجئهم من بوعزيزي وأمثال بوعزيزي!
ما يميّز "الثورات" العربيه عن نظيراتها من الثورات يتجسّد في أنه كان لابد للبوعزيزي أن يموت لتحيا الثورات العربيه, في حين كان لابد للمدرسة الفردية ولأفكارفولتير وجان جاك روسو لتعيش حتى تعيش الثورة الفرنسية, وكان أيضا لابد لايدولوجيا الماركسية وقيادات صلبة ومؤثرة من أمثال لينين وستالين ان تعيش لتعيش الثورة الروسية, فأي فكر وأي قيادة وأي كرزما وأي ايديولوجيا حملها البوعزيزي لتفوح رائحة الثورات العربيه بهذا الزخم وبهذا العنفوان؟ سوى رواسب من حرقة الظلم وبقايا من صور الكبت والحرمان, وهي أسباب لا اعتقد كافية ومنطقية بالمنظور العقلاني لانها ليست بالجديدة ولا بالفريدة في عالمنا العربي والذي عاشها واعتاد عليها منذ عقود!
"كل يوم هو في شأن". ان التغيرات السياسية وأسبابها وانعكاساتها وتسارعها أبعد من تفسّر من بني الانس والجن على حد سواء أو بين جنبات العلوم الاجتماعية والسياسية بالتحديد, وكأنها تدخل في غياهب ما بعد العلوم الموضوعة و"ما بعد السياسة", انها الارادة الاّهية قد تدخلت! خلق الله بوعزيزي لغاية يعلمها وحده تعالى ومن حيث لايدري البوعزيزي ولاندري وانتهى دوره لتبدأ دورات ودورات من المدّ لا يعرف أحد مبلغ مدّها ولا حدّ جزرها. لقد وضع الله سرّه في أبسط وأضعف خلقه لأن سبق وان قال "ان الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها" لتكون أية للعالمين! كان البوعزيزي أكثر الناس بساطة وفقرا وتهميشا في المجتمع الأكثر بساطة وفقرا وتهميشا في تونس. ويخيّل لي وكأنه كان هو من يبادر الناس بالتحيّه ولا ينتظر منهم الرد بالسلام, ويتححبّب ويتجمّل للجميع ولا ينتظر منهم حتى الرد ولو بابتسامه, ويكظم غيظه من حرقة العزلة وكبرياء المارة والعامة, لا لشيء ولكن من أجل لقمة العيش والتعلّق بالبقاء لا أكثر. ولو علموا ما سيكون له من شأن, لتدافع الحكام قبل المحكومين لشرف التقاط الصور وتبادل التحيّات والقبلات معه.
كم من مواطن أقدم على حرق نفسه قبل وبعد بوعزيزي, وكم مواطن عانى الامرين وانتهى امره بأسوأ حال منه شدة وغلظه وقساوة؟ فلماذا حادثة بوعزيزي بالتحديد, ولماذا الان؟ ان من المؤكد أنه لم يكن بخاطر أو هاجس أحد من المارة أو أحد زبائنة, أن الذي كان يدفع بالأمس بعربتة ليعتاش منها ويعتاشون من بضاعته, سيدفع بالعالم اليوم بأسره الى مصير مجهول وبعد مماته. ان أراد الله القادر البصيرأن ينهي العالم بطريقة ما أو على هيئة ما, فحادثة سيدي بوزيد مما لا شك دلالة هامة لأولي الألباب ومنعطف مهم تجاه ذلك المنحنى, لأن ما حدث تعجز عنه جميع شعوب الأرض أن يصيغوها بهذه السرعه وهذه الوتيرة. ومن هنا نتسائل, هل سيكون منعطف بوعزيزي, أول "كوربه" تجاه الطريق الى فلسطين؟! وأين هو المنعطف الثاني ومن هو البوعزيزي أو صلاح الدين الجديد؟؟ الله وحده أعلم! أليس " له الخلق والأمر"؟