العدوان على سوريا و مآزق «المعتدلين» العرب
هشام غانم
09-09-2007 03:00 AM
ميكيافيليون بأسمال أفلاطونية
من اللاإنساني حبس سجناء الرأي في سوريا؛ لكنْ من اللاأخلاقي و اللاإنساني و اللاسياسي إلقاء المواعظ و الدروس على السوريين عن حقوق الإنسان و إطلاق السجناء في هذا الوقت، كائناً ما كان الرأي في بشّار و نظامه، و بالغاً ما بلغَ مستوى الاختلاف السياسي معه. و مصدر اللاأخلاقية و اللاإنسانية و اللاسياسية أنّ سوريا الآن في أتون النار، و تحتاج إلى الدعم و المساندة و ليس إلى إلقاء الكلام المنمّق عن حقوق الإنسان و الحريّة؛ على رغم أنّ الأخيرة مهمة جدا و ترقى إلى مصاف الشرط و ليس الضرورة فقط. فلئن عرفنا أنّ أصحاب المواعظ ينتمون إلى بيئات يقوم منها الاستبداد مقام البيرق من السارية؛ أضفنا سبباً آخر لعدم مصداقيتهم و لاأخلاقيتهم. و لأنّ «المعتدلين» هؤلاء - في بلدانهم - يخافون من ذكر الديموقراطية قبل معناها، و من لفظها قبل فحواها، و من اسمها قبل مسمّاها؛ صحّ زعمنا بأنهم ميكيافيليون يتسربلون بأسمالٍ ظاهرها ديموقراطي، و باطنها انتهازي.
الغراب و الثلج
و كان الأمر سيهون لو أنّ «المعتدلين» المطالبين بالحرية و حقوق الإنسان يؤمنون بهذه القيم قولاً و فعلاً؛ و ليس لتقريبهم إلى أمريكا زلفى؛ غير أنّ ما يكذّب مزاعمهم هو أنّ السجناء السياسيين في أقبيتهم يُسمَع لهم أنين و حشرجة، دون أنْ يأتي أحدٌ على ذكر ذاك الأنين، و تلك الحشرجة؛ فهم يبشّرون بالحرية و الديموقراطية في مشارق الأرض و مغاربها باستثناء بلدانهم السعيدة. هكذا يستوي مثلهم كمثل الغراب الذي مشى بين الناس زاعماً (أو ناعقاً؟) أنّ ريشه أشدّ بياضاً من الثلج. و الأرجح على الظنّ أنّ هؤلاء «المعتدلين» تحرّكهم الشماتة و الكراهيّة أكثر مما تحركّهم الأخلاق و المبادئ الإنسانية. هكذا يغدو العدوان مبرّرَاً لمجرد أنّ هناك خلافاً سياسياً مع النظام السوري. فكأنّ سوريا و الحال هذه، اختُزلت بشخص بشار الأسد؛ و لمّا كان هذا الأخير ينهض عَلَماً على «محور الشر»؛ بات استئصاله ضرورة كونية؛ كيما يعمّ الأمن و السلام «الشرق الأوسط الجديد» بقيادة المخّلّص جورج بوش (أي المهاتما غاندي). ألم يقل له الرب أنْ انهض و أقم السلام في الشرق الأوسط؟
إعلان الهزيمة قبل الحرب
و على رغم كلّ ذلك، يبقى أنّ من حقّ أيّ إنسان أنْ لا يكون معجَباً بنظام دمشق، كما من حقّ أيّ إنسان أنْ يذهب مذهبَ بني إسرائيل حين قالوا لكليم الله موسى «اذهب أنت و ربّك و قاتلا، إنّا ها هنا قاعدون»؛ غير أنّ هؤلاء لا يكتفون بالقعود؛ بل يعتلون منصة الأستاذية، و ينوبون مناب الأم تيريزا، فيستحضرون الكلام من تلك المنصة المتعالية؛ لتعليم السوريين معنى الحرية و حقوق الإنسان. و كلّ هذا يحدث فيما نعيق الغربان الفولاذية الإسرائيلية يكاد يصمّ الآذان. و لعلّ أخطر ما في هذه الهرطقة الشامتة، هو أنّها تتطوّع بإعطاء مبررّات مسبقة للعدوان؛ تماماً كما أُعطيَ العدوان على لبنان في السنة الفائتة مبرراً مسبقاً، حين تفتّق نبوغ «محور الخير» عن عبارة «مغامرة غير محسوبة». و ربّما كان السلوك هذا غير مسبوق في التاريخ؛ إذ لم نسمع عن أحد أعلن هزيمته قبل أنْ تبدأ الحرب!
التفكير الاجتراري
ذاك أنّ الرخيص فقط، هو من يعلن هزيمته و استسلامه قبل بدء الحرب. و منطق (من النطق) إعلان الهزيمة هذا ليس من « إبداع» «المعتدلين»؛ فهم أقل من أنْ يبدعوا شيئاً؛ بهذا المعنى هم أشبه بميكروفونات و «محطات تقوية» للكلام الأمريكي الكاذب؛ و هذا عَوْدٌ على بدء تقليد نازيّ عتيق؛ مفاده، اكذب و اكذب، و مرةً بعد مرةٍ اكذب، ثم اكذب، و في النهاية سوف تصدّق نفسك و يصدّقك الناس. و السلوك هذا، يسمّى في علم النفس بــ«التفكير الاجتراري» (Autistic Thinking) حيث يقوم المريض بابتداع تهاويم و أخيلة، و من ثَمّ يُجريها مُجرى وقائع و حقائق.
باطل يراد به باطل
و غاية القول أنّ إلقاء المواعظ الأخلاقية على سوريا، هو في أحسن التأويلات ضرب من الاستشراق المقلوب، و في أسوئها نوع من «التغذية الراجعة» (Feedback) لما يردده المحافظون الجدد. و عليه، فــ«المعتدلون» العرب في هذه الحال، ليسوا سوى ببغاءات عقائدية، لا أكثر و لا أقل (ربما أقل). هذا من وجه أول، و أمّا من الوجه الثاني فإن كلام «المعتدلين» ليس حقاً يُراد به باطل؛ بل هو باطل يراد به باطل؛ لأنه – بحكم تكوين و تاريخ أصحابه – لا يمكن أن يرادَ به شيءٌ غير الباطل.
hishamm126@hotmail.com