قد يبدو السؤال غريبا ومستهجنا وغير مستساغ، فهل من يقتل المئات وربما الآلاف من مواطنيه واحيانا من مواطني بلدان اخرى ويتسبب في بعض الاحيان بحروب ُيقتل فيها الملايين ويبدد مليارات الدولارات هل لهذا الطاغية اية حقوق؟؟. انه السؤال الذي ولد من رحم الطريقة التي تعامل بها الثوار الليبيون مع القذافي، فقد نجح هذا التعامل في خلق تعاطف ليس بقليل مع ديكتاتور وجلاد وسادي ربما يكون كشخصية معقدة متسلطة من اغرب ما شهدته الانسانية، ولكن كل دمويته وكل جرائمه غابت وتلاشت عن ذهن الملايين عندما شاهدوا طريقة التعامل معه من لحظة اعتقاله الى لحظة دفنه.
فخلال اعتقاله ُضرب ضربا مبرحا ويقال ان احد المسؤولين الذين اغتصبت كتائب القذافي ابنته قام بتعرية العقيد وتصويره عاريا كما خلقه الله، علاوة على مشاهد جره من ملابسه تارة وشعر رأسه تارة ثانية هذا بالاضافة الى حفل الشتائم الذي رافق عملية الاعتقال، اما خلال موته فكان المشهد اكثر ايلاما من اي مشهد اخر، حيث تحولت جثته وجثة ابنه المعتصم ووزير دفاعه ابو بكر يونس الى برنامج من التشفي بالميت عبر تحويل ثلاجة سوق « اللحمة « في مصراتة الى « فرجة «، وحفل لاخذ الصور التذكارية مع الجثث وهذا الحفل لم يكن حكرا على الكبار بل شملت حتى الاطفال الذين وضعوا الكمامات على انوفهم ليحظوا بصورة معها في منظر مؤلم خدش صورة الثورة الليبية والثوار وخدش قبل كل شيء صورة الاسلام واخلاقيات المسلمين.
ولنعود مرة اخرى الى السؤال الرئيس هل للديكتاتور من حقوق؟ او بالاحرى هل كان للقذافي اية حقوق لدى الليبيين؟
نعم فالاخلاق والقيم والحقوق لا تتجزأ، فلقد كان للقذافي حق الاسير الذي يجب ان يُعامل باحترام، وكان له حق المحاكمة العادلة التي كانت بكل تأكيد سينتهي بها المطاف الى اقرار اعدامه، وكان له حق الموت الكريم والدفن الكريم فور قتله لا ان تصل الامور بجثته حد التحلل والتعفن ليصار في اخذ قرار بدفنها، كما كان له حق الدفن في مقبرة معروفة يختارها اهله يكون لهم الحق بزيارة قبره متى شاءوا.
لقد نال صدام حسين الذي اذاق الشعب العراقي والامتين العربية والإسلامية الامرين حقوق الاسير وحقوق السياسي وحق الموت الكريم والدفن الكريم، وخلقت اخطاء قليلة ارتكبها نورى المالكي ومنها اعدامه فجر عيد الاضحى والتطاول عليه ببعض الهتافات من بعض الطائفيين قبيل تنفيذ حكم الاعدام تعاطفا شديدا معه حتى من قبل بعض من ناصبوه العداء السياسي.
ها هو قبر صدام حسين في قرية العوجة لم يتحول الى مزار ولم ينبش من احد من اجل الانتقام منه، فالتبريرات التى سيقت للتعامل مع موت القذافي ونجله المعتصم بهذه الطريقة ليست منطقية وغير قادرة على اقناع احد، فقد عكس هذا السلوك فائضا ثأريا لطخ بكل اسف وجه الثورة الليبية التي ساندناها منذ اللحظة الاولى واظهرها اسيرة للماضى بدلا من ان تكون متطلعة للغد وللمستقبل.
البعض يعجبه القول ان هذا ما زرعه القذافي في نفوس الليبيين وعليه ان يحصده، واقول إن الشوك الذي زرعه القذافي حصدته الثورة بتحرير الانسان الليبي والتحرير هنا يجب ان يكون اولا وقبل كل شيء تحرير من الحقد والضغينة والثأر، فهذه المشاعر كفيلة بتحويل اي انسان حر الى مجرد وحش عديم القيم وعديم الضمير.
rajatalab@hotmail.com
الرأي