لربما ترسم عودة المهندس عبدالهادي المجالي من رحلة علاج طويلة وبهذا الزخم من الذين عادوه في ديوانه السؤال عن شكل النخبة الموجودة اليوم ووزنها في الشارع وعلاقاتها بالناس وحاجاتهم ومصائرهم.
وبعيدا عن الفضائل والصفات التي يملكها المهندس عبدالهادي المجالي، إلا أنه في غيابه من المشهد كان رجلا يستشعر غيابه من موقعه، كسياسي وكنائب ورجل دولة أو شيخ أو باشا أو نائب أو رئيس مجلس نواب، كل تلك الألقاب مع أنها تعني رجلا واحدا، إلا أنها كانت لا تكفيه كي تحدد صفاته أو تصنع له مجدا مضافا على ما بناه لنفسه من حضور أو دور في السياسة وفي صناعة القيادات السياسية.
كان يكفي أي طامح أن ينضم تحت لواء الباشا كي يصل ويتقدم، لكنه وإن كانت الخيارات تخذله أحيانا إلا أنه يملك ميزة الدفاع عن رجاله ومن ساهم في تقدمهم، ومع أن الخلاف مع الرجل ممكنا إلا أنه لم يكن ليهدي خصومه صورة الرجل الحنق الغاضب إلا نادرا، فهو طويل الصبر وبطيء الغضب.
استطاع عبدالهادي المجالي أن يعيد إنتاج نفسه أكثر من مرة، وفي التحول من رجل ذي بزة عسكرية إلى أكثر القيادات الوطنية رغبة بخوض الانتخابات والحديث عن جدوى الديمقراطية والتأسيس لحياة حزبية، وهو لم يكل أو يمل من ذلك، ولطالما كان يشتهي في باطن فكره أن يكون الزعيم الحزبي المنافس على الساحة، وكان يمكن له أن يكون كذلك، لولا جملة أخطاء لا مجال هنا للحديث عنها. وهي مرتبطة بمسار وطني عام فيما يخص الأحزاب وتفاعلها ودورها. واستطاع كثيرا أن يغلف حضوره كسياسي أكثر منه رجل مال وصاحب ثروة.
أيضا فرض المجالي نفسه زعيما سياسيا له صلاته وقدراته ونفوذه داخل ماكينة الدولة، وظل ممن يطيقون العناد في المواقف الوطنية، وكبيرا في مواقفه العربية حتى غادر مجلس النواب الخامس عشر ليفسح المجال لغيره كي يخلفه نائبا عن منطقته أو في رئاسة مجلس النواب.
للرجل اخطاء بلا شك، ولكنه كغيره ممن يدخلون أبواب السياسة، إلا أنه يسجل للباشا حفظه الود مع رفاقه وأصدقائه وقدرته على ملامسة هموم الناس حين كانوا يزورونه ومخاصمة الخصوم بكبرياء وشرف ودهاء عالٍ.
لم يملك المجالي مؤهلات النخبة الجديدة في الدولة ولم يسع إلى اكتساب صفاتها، ولم يكوّن صالونا خاصا به، فمن يخرج من عنده كان كثيرون يتوقون للحلول في ذات المكانة من الباشا.
في دوره النيابي هناك الكثير من الأسئلة، وقد يختلف كثيرون على طبيعة قيادته لمجلس النواب، لكنه يثبت اليوم والناس تعوده كم قدم وأعطى وساعد أناس وزكى رجالا وأعان محتاجا، لذلك كثر المحبون والأصدقاء وفي ذلك عبرة للنخب الجديدة والسياسيين الجدد كي يعلموا أن أفضل صورة للمرء هي التي ينال فيها تلك الصورة التي ظهر فيها زوار الباشا عبدالهادي المجالي في سرادقه الكبير وهم يسلمون عليه بعد عودته من رحلة العلاج.