مطلب تتعامل معه القوى السياسية التي تتحرك في الشارع وهو إقامة حكومات نيابية وأحياناً حكومات حزبية, والبعض يتحدث عن رئيس وزراء منتخب, وكلها مطالب مشروعة سياسياً وإن كان وجود رئيس وزراء منتخب ليس أمراً مباشراً لأنه حتى في دول العالم الغربي فإن من يتم انتخابه هو الحزب والبرنامج الذي يكلف زعيمه بتشكيل حكومة.
وأياً ما كانت التفاصيل فإن هذه المطالب لم تعد مطالب معارضة بل هي هدف للحكم, وما تحدث به الملك في خطاب العرش واضح لا يحتمل التأويل, وأكد بوضوح أن «هدفنا الوصول إلى حكومات برلمانية « وهي تعني حكومات منتخبة لأن من سيشكل الحكومة والأعضاء أو معظمهم هم منتخبون .
لكن السؤال الذي يجب أن نمتلك الإجابة عليه جميعاً هو كيفية الوصول إلى هذا, وهل يمكن تحقيق الهدف اليوم بقرار من خلال تكليف نائب أو رئيس كتلة بتشكيل حكومة وتكون من النواب علماً بأن بعض من يطالبون بحكومات نيابية منتخبة يطالبون أيضاً بحل مجلس النواب.
والإجابة المنطقية تأخذنا إلى خطوات واضحة لا بد منها وهي :-
1- أن نؤمن أن الهدف يتحقق من خلال عملية سياسية دستورية وليست عبر أي وسيلة أخرى بما فيها الشارع.
2- إننا بحاجة إلى أحزاب قوية وفاعلة لها حضور بين الناس ولديها برامج مقنعة للجمهور وهذا ما أشار إليه الملك في خطاب العرش بأن وجود حكومات حزبية هي قضية بيد الأحزاب والناس أي أن واجب الأحزاب أن تكون قوية وتنتشر والناس هم أصحاب القرار في انتخاب من يرون من الأحزاب أو غيرها. أو وجود ائتلافات قوية بين أحزاب وشخصيات.
3- إن الوصول إلى حكومات حزبية يحتاج إلى بنية تحتية مجتمعية تؤمن بالعمل الحزبي ولا تنفر منه وهذا يتطلب عملاً من الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني ويحتاج وقتاً.
4- أما الخطوات العاجلة فهي إجراء انتخابات نيابية تشارك فيها الأحزاب الموجودة عبر أوزانها الحالية وتشكل ائتلافات تعوض ضعف البنية الحزبية ووفق قانون انتخاب يعزز التحالفات والمضمون السياسي.
5- إجراء هذه الانتخابات يتطلب قانون انتخاب توافقيا وهو أمر ممكن وسيتم تقديمه إلى مجلس النواب خلال دورته العادية الحالية, وهذا يفرض على الحكومة إجراء حوارات جادة للوصول إلى توافق عام حول القانون وهو أمر ممكن جداً لأن المسافة بين كل الآراء قصيرة جداً ووفق مخرجات لجنة الحوار الوطني.
6- الانتخابات النزيهة تحتاج إلى وجود الهيئة المستقلة التي تدير الانتخابات وتشرف عليها, وهذا الأمر تم الاتفاق عليه من خلال التعديلات الدستورية وسيكون قانون الهيئة أول القوانين الإصلاحية أمام مجلس النواب خلال دورته العادية, وعندها لن يكون للسلطة التنفيذية أي تدخل في إدارة الانتخابات.
الطريق نحو الحكومات البرلمانية واضح والخطوات الدستورية موجودة والخطوات التشريعية تحت الإنجاز وما نحتاجه هو إدارة عملية إنتاج قانون الانتخاب بتوافق عام, أما الوصول إلى حكومات الأغلبية الحزبية فإننا كلنا نعلم أن الأمر ليس متاحاً اليوم ويحتاج إلى زمن قادم ليس لأن الدولة لا تريد بل لأن العمل الحزبي في بلادنا يعاني من مشكلات بنيوية ويحتاج إلى جهد كبير, ويعلم الحزبيون قبل غيرهم أن كثيراً من أحزابنا غير قادرة على الفوز بأي مقعد رغم انه يسجل لها محاولاتها.
الحكومات البرلمانية هدفنا جميعاً لكن علينا أن ندرك ما يحتاجه الوصول إلى هذا الهدف من خطوات وإجراءات, وان نكون مدركين لصعوبات يفرضها واقع الأحزاب, لكن ما يمكن أن نحصل عليه خلال شهور انتخابات نيابية نزيهة تديرها الهيئة المستقلة وتتم وفق قانون توافقي وتحاول فيها كل الأحزاب الفوز بما يمكنها من مقاعد عبر تحالفات تصنعها أو بخوض الانتخابات منفردة, لكن هذا يحتاج أن ندخل جميعاً في العملية السياسية لا أن نعيقها.
ce@alrai.com
الرأي