في ثقافتنا المعاصرة يطلق لقب النرجسي على الأناني المفرط بالحب لنفسه، لكن المعجبين بهذا الزهر الجميل يرون أننا نظلم النرجس كثيراً عندما نلصق به تهمة الأنانية وحب الذات، فلماذا نجرؤ على النرجس ونغتاله ونشبهه بأولئك الذين جعلهم حبهم لأنفسهم يكرهون العالم وأهله؟؟!: إنهم بكل تأكيد يستحقون لقباً آخر غير النرجس!.كان أجمل فتى في العالم يسير وحيداً هائماً، كما تشير الأسطورة الإغريقية، فتى لا يريد أن يحادث أية امرأة، فهنَّ لا يلقن به وبجماله، وكم تمنى لو يجد مخلوقاً يضاهيه جمالاً وتألقاً، فهو لن يصادق أحداً أقل منه شكلاً وجمال وجه، حتى لو كلفه هذا أن يظل وحيداً دون أدنى صديق!!.

ذات مرة جلس هذا الفتى، وكان اسمه (نرسيس)، جانب ضفة نهر صغير، والشمس كانت ساطعة تجعل النهر مرآة صافية تعكس الأشجار والسماء، نظر نرسيس فرأى وجهاً جميلاً في الماء، فرك عينيه ليتأكد، ثم نظر ثانية في صفحة النهر، هذا الوجه ما زال هنا: لا بدَّ أنه جاء من أجلي، إنه أجمل وجه رأيته في حياتي، يكاد يشبهني، لولا هالة النور التي حوله، هذه هي المرأة التي أبحث عنها!!.


حدّق نرسيس في النهر، ثم مدَّ يده إلى صفحة النهر، فاضطرب الماء، واختفى الوجه؛ فحزن، ثم عاود الكرة بعد أن ركد الماء، فاختفى الوجه من جديد، وهكذا ظل نرسيس على حاله، يوماً بعد يوم، لا يتحرك ولا يأكل، لا يبعد نظره عن وجه الماء، حتى انزرعت ساقاه في ضفة النهر، وصارتا جذوراً، وشعره الطويل المتجعد صار ورقاً، فيما وجهه الأبيض وتاجه الذهبي، صارا تويجات بيض وصفر: لقد تحول الفتى(نرسيس) إلى زهر النرسيس:(النرجس)!!!.


يحق لنا أن نحزن على نرسيس، الذي أحب العالم من خلال جماله، ولهذا نطلق على من يحب صورته فقط، لا يرى جمال آخر في الكون بأنه نرجسي، أما أنانيون هذا العالم، الذين لا يكتفون بحب أنفسهم فقط، بل يكرهون الناس والعالم، لو قدر لهم أن يجلسوا بجانب نهر، وينظروا إلى صفحة الماء فأنهم سيتحولون إلى أشواك معدنية حادة جزاءً لهم: فهم لم ينطلقوا إلى حب أنفسهم من خلال حب العالم، وحب الآخرين، بل حبهم لأنفسهم أعماهم عن حب الآخرين: إذن مرحى للنرجس، وتباً للأنانية، أشواك المعدن القبيحة!!.
ramzi972@hotmail.com