رغم "الصدمة المؤلمة" في تشكيلة الحكومة، إلاّ أنّ المسارعة إلى إطلاق الحكم عليها بالفشل (منذ الآن) فيه ظلم شديد لها، لا بد من منحها فرصةً ومدّ اليد إليها، والتعاطي معها بمنطق "الانفتاح" والمساعدة على تحقيق أهدافها من الجميع، إلاّ إذا "ركب الرئيس رأسه"، وسار في ركاب الرؤساء السابقين في تجاهل صوت الشارع، وأمسك بـ"وصفة الفشل" التي أسقطت الرؤساء الذين سبقوه في السنوات الأخيرة.
الامتحان الأول للرئيس سيكون في بيان الثقة، وفيما إذا كان سيختبئ خلف "خطاب العرش"، أم يقدّم برنامجه وتصوره، واضحاً وصريحاً، للشعب ومجلس النواب، بعيداً عن العموميات واللغة الإنشائية والرمادية.
إلى الآن، ما تزال مواقف الرئيس في "سقف" الإصلاح السياسي غير محددة وواضحة، بل وتنطوي الإشارات المتعددة التي صدرت منه على رسائل متناقضة بالنسبة للشارع والرأي العام إلى الآن.
ففي تصريحاته الأوّلية، تحدّث عن تحدٍّ كبير وخطر يتمثّل بـ"فجوة" الثقة الكبيرة بين الدولة والشارع وحالة الاحتقان والشعور بالظلم لدى شريحة اجتماعية واسعة، ما لقي ارتياحاً في أوساط سياسية وخلق أجواء من التفاؤل ورفع سقف التوقعات بالرجل، إذ أوحى ذلك بإدراكه أبعاد الأزمة السياسية وعمقها.
إلاّ أنّ المفارقة والمفاجأة، تبدتا عندما ولج الرجل إلى أجواء الحوارات والتشكيل، فبدأ يتحدث عن أولوية صياغة القوانين والتشريعات، وهو ما انعكس أيضاً على مبالغته في تعيين وزراء ذوي خلفية قانونية واستحداث حقيبة جديدة للتشريعات القانونية، مع خلوّ الفريق من "مطبخ سياسي محترف" قادر على الاشتباك مع الشارع وردم الفجوة مع القوى التقليدية والجديدة، وهي المهمة الأكثر أهمية ومناط بها نجاحه وفشله!
وفيما إذا اعتمد الرئيس، رسمياً، ما تسرّب عنه من خلال اللقاءات بأنّه ينوي إعادة النظر بالتعديلات الدستورية نحو تقليص قوة البرلمان، وليس تحصينه (كما تطالب المعارضة)، وبرفضه للقائمة الوطنية في قانون الانتخاب (التي تجمع عليها أغلب القوى السياسية)، وفي استخفافه بحجم "الحراك الشعبي" في المحافظات (وهو اليوم المعارضة الأكثر راديكالية في الشارع)، فإنّ الرجل لن يحتاج سوى إلى أيام قليلة حتى يقع في "فخ الشارع".
بلا شك، كان الرئيس موفقّاً في الانفتاح سريعاً على جماعة الإخوان وحركة حماس، ومحاولة تجسير العلاقة مع هذا التيار العريض. ومع ذلك فإنّ ما تبناه من "سقوف" للإصلاح لم ترض "الجماعة"، وتشكيلته انعكست سلبياً على موقفها تجاهه، أمّا قانون الـ(89)، الذي عرضه لها على طبق من ذهب، بدون قائمة وطنية، معتقداً أنّ الجماعة تفكّر كما تظن الدولة بمنطق "ما يمكن أن تحصّله في صفقة سرية"، فإنّنا نؤكّد له بعد ندوة مغلقة جمعت سياسيين مخضرمين بقادة الجماعة في مركز الدراسات الاستراتيجية (بالجامعة الأردنية)، بعد أيام من لقائهم به، بأنّها لن تقبل بهذا العرض، فهي مصّرة على القائمة الوطنية.
وصفة فشل الرئيس تكمن، أيضاً، برؤيته للحراك في المحافظات، فإذا لم ينطلق من إدراك أنّ هذا الحراك يعكس تحولاً جذرياً في وعي أبناء المحافظات والعشائر للعلاقة مع الدولة، وأنّه يتطلب "حزمة" حقيقية من الرسائل السياسية الذكية إلى السياسات الإصلاحية والاقتصادية، فسيكون هو معول آخر في تجذير الأزمة الخطرة في هذه اللحظة الحساسة.
هذه ملاحظات خاطفة نضعها بين يدي الرجل، نتمنى أن يقرأها بتمعّن، ونقول له: أمنياتنا لك بالتوفيق، وألا تقع ضحية "وصفة الفشل" التي بدت في الأيام القليلة الماضية.