أمس العصر"آزر" طرد عسكري!!
محمد الرفوع
26-10-2011 04:23 AM
ربما أكثر ما يغيظ الشارع الأردني في الوقت الحالي، هو تنامي الطبقية التي اجتاحت الحياة الاجتماعية مؤخرا نتيجة نهب مال الخزينة، وتيسير سبل الحصول على عقود تخاصية لم تصب إلا في مصلحة المستثمر، وذلك لنقص الكفاءة وضعف التخطيط لدى اللجان المشرفة على هذه العملية، وتسلل عناصر الضغط إلى جنباتها.
أضف إلى ذلك غياب معيار العدالة في توزيع عوائد الاستثمار وبيئات عمله، وانحسارها في العاصمة، ما أدى إلى حالة من الإحباط الشعبي، إذ لم تعد التخاصية على المواطن بأية نواحي تضع حدا لفقره أو تطلعه لمستوى خدمة أفضل وبكلفة معقولة.
مؤشرات الوضع الراهن تتناهى إلى أن هذه الحالة الاجتماعية الفاسدة ستسود لفترة ليست بالقصيرة، وتلقي بظلالها القاتمة على حياة الأردنيين بحيث ستنتج حالة مخيفة تتمثل بتباطؤ تقدم الطبقة المسحوقة وتقهقرها واتساع رقعتها في مقابل تطور سريع للطبقة البرجوازية والارستقراطية إضافة لتوسع نفوذها وتحول نشاطها إلى ما يشبه الإقطاع، وهذه الحالة أودت بكراسي أوروبا نحو الهاوية.
إن غياب العدالة الاجتماعية يضرب البنى الاجتماعية لأي دولة ومهما بلغت عظمتها، والعكس منها يثبت الاستقرار والازدهار في صفوف الشعوب.
تستحضرني في هذا السياق قصة من الزمن الماضي، أحد أبطالها متقاعد عسكري أمضى 25 عاما من عمره في سلاح المدفعية والدروع "يعني تقاعد أطرم" وخاض معظم حروب الأردن المشرفة، فبعد تقاعده وبعد أن استقر به الأمر محاصرا باحتياجات أسرته في ظل دخله المحدود، توجه إلى فيلا لشخص يدعى "آزر" وكان حينها يترأس شركة مهمة تديرها الدولة، وعند اقترابه من باب الفيلا المذهب وقرعه للجرس، خرج عليه من شرفة القصر الصغير، رجل يرتدي "روب" نوم وهو نفسه" آزر" وقال له :"شو بدك" فقال:عملا أسد به رمق الصغار، فأجاب آزر: "ما في عندنا شغل انقلع من هون هسا بناديلك الحرس" فولى النشمي هاربا ولم يعقب.
وفي أثناء عودته من رحلته المشوبة بخيبة الأمل، شعر الرجل بجرح عميق تغلغل في سنوات شقائه وبذله وعطائه لوطنه، فهو قوبل وكأنه متسول أو متشرد، إلا أن رفيقا كان قد خبِره أثناء خدمته وافتتح عقب التقاعد متجرا بالقرب من " الفيلا "، جلس إليه وشكى حاله وأحواله، "وطلقات المدفع في حرب الكرامة" فلم يتعجب الرفيق مما ذكره أخوه في الخدمة وقال:"عادي يا رجل أمس العصر "آزر" طرد متقاعد عسكري".
أخشى ما أخشاه أن لا حسابات لدى الدولة الأردنية لسحق هذا التنامي الطبقي الذي أضر بعنصري الانتماء والولاء بل حسرهما، وبات كل مواطن يشك أن بريقا للأمل والفجر الجديد قد يلوح مرة جديدة، وهذا الأمر دفع للتعبير عن حالة الإحباط وبقوة في الميادين والشوارع.
لقد تسيَّر الغول الطبقي في الأردن إلى حمل ثقيل جدا، يعادل وزن مركبة تجثم على صدر الأردنيين الفقراء، لذلك وعلى أساس"خذ من أموالهم"، لا بد من حلحلة لهذا الوزن في المرحلة الأولى ومن ثم القضاء كليا على هذا الغول، لكي ينعم الجميع بخيرات الوطن، وتنسحب بعض مظاهر الغضب التي اعترت الشارع.
ومن المؤكد أن هذه العملية التي تهدف إلى تذويب الفروقات في الأوضاع المادية والاجتماعية ما بين أبناء الشعب الأردني، تحتاج إلى قرارات إصلاحية قوية وصلبة بصلابة نصل الفأس لتكسر سلاسل الفساد بمختلف مستوياتها وخواصها الفيزيائية.
وأذكر في هذا السياق أمرا جدليا وجليا للعيان ومن مصلحة رواد الإصلاح ومقروه التعامل معه، ويتمثل بمجلس الشيوخ الأردني، فمن شأن تعديل قانونه بحيث يصبح بالانتخاب على منوال ما يجري في دول العالم المتقدم أن يكون له الأثر الكبير في الحد من ظاهرتي الطبقية والتوريث في الأردن، ومن الواجب على مجلس النواب في هذا الوقت الحاسم أن يرفض كافة مخرجات هذا المجلس تمهيدا لتغييره، بما يتواءم ومتطلبات المرحلة.