لطالما ايقن المواطن الاردني بان تغيير الوجوه و" تلبيس الطواقي " لا يعني له شيئا , فقد طلق محاولاته المستمرة لاقناع ذاته بان " القادم افضل " ...
ولطالما ادرك بان التغيير الوزاري الذي تكاد تنفرد به المملكة عن دول العالم كله من كثرة ما يتكرر, ولا يسهم الا بزيادة اعداد الوزراء المتقاعدين ما يحمل الخزينة اعباء اضافية .. اقول لطالما ادرك الاردني ان هذا التغيير ياتي بالعادة ردا على احتقان الشارع وتصديرا لازماته , وليس حلا او تنفيذا لمطالبه المشروعة على وجه السرعة والدقة.
الانقلاب الابيض الذي يحدث في البلد على غير صعيد هو انقلاب على كل ما من شأنه ان يزيد من توتر المواطن , او يصعد من احتجاجاته اكثر او يرفع سقف مطالباته ليقربها مما نخشاه جميعا حيث لا رجعة ولا تراجع , فالانقلاب الابيض الموشح بقليل من سواد النظرة وضبابية المشهد هو امتصاص لغضب الشارع ليس الا.
فاتى هذا الانقلاب على الدستور " تعديلات " وان كانت لا زالت مفتوحة على اخرى اذا اقتضت الحاجة فهي " ليست نقشا على حجر " , ثم الانقلاب على الحكومة السابقة , وصولا الى اعادة تشكيل مجلس الاعيان مجددا مشفوعا بمبررات ازدواجية الجنسية , ومتناغما مع " الخط الثوري " على الاشياء , وان رافق ذلك تململ من قبل البعض وان كان متمتما بقوله " لماذا مجلس اعيان " او متى سيلغى اصلا , لتبقى سلطة الشعب هي المسيطرة انطلاقا من حقه في توسيع دائرة مشاركته في صنع القرار وصياغة مصيره تماثلا مع اهدافه وتطلعاته في الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص ونبذ الامراض الاجتماعية والسياسية ..
فيما لا زالت الحناجر تصدح مطالبة برحيل مجلس النواب , وهو اخر ما تبقى من عهد ما قبل الانقلاب الابيض , وحقيقة فان الشارع لن يهدأ قبل تحقيق هذا المطلب , لان خارطة التغيير التوت عليه وابقته شوكة في درب الاصلاح السياسي.
هذه المرة لن يقتنع الشارع بحكومة دولة القاضي اذا لم تكون حكومة " انتقاء وطني " , حكومة انتقال جديدة كليا , لا وجوه قديمة بين فريقها الوزاري , ولا وجوه " حرقت " في حكومات سابقة اثبتت فشلها الذريع عبر " ضحكها " على المواطن وكأنه - لا قدر الله - قطيع يساق كيفما هبت رياحها العاتية ضرائب وفساد وترهل وصفقات مشبوهة واختلالات في كل شيء , ولتاخذني عاصفة المادة 23 - اذا كانت اول انجازات مجلس النواب بعيد عودته الى الانعقاد - الى السجن مباشرة متجاوزة ملاحقتي بالغرامة لانها لن تحفل بذلك ابدا.
نريد حكومة وطنية بامتياز , نظيفة بامتياز , نريد جيلا حكوميا مختلفا- اذا صح التعبير - , وجوها مختلفة , لربما ينسحب ذلك الاختلاف على اداء الحكومة العتيدة , ولا نريد ان نسمع اجوبة حول مبررات تكرار الوجوه باننا نريد اصحاب الخبرة , فتأخذنا الحيرة الى من تقلد مناصب وزارية بحكم انه " خبير " اكثر من غيره , كفى , فقد اختبرنا الخبراء كثيرا , وما انفك المواطن يقبض على جمر الفقر والحرمان , والخوف على الوطن , وهو المترنح بين حقه في الاحتجاج وخوفه من كرة ثلج تكّبرها احقاد هنا او اجندات هناك.
من وحي ما تشهده بلدان عربية , مع اختلافنا مع مساراتها لجهة رأس النظام , في اتفاقنا على حكم هاشمي لا نقبل بغيره , نريد تغييرا شاملا , حكومة لا تشوبها شائبة , لتبدأ مباشرة بالتنفيذ , بازالة كل التركات السابقة عن كاهلها , ولو كان المواطن غير معني الا بازالة الفقر والبطالة والحرمان عن كاهله , نريد حكومة تبني الوطن لا تهدم ابنائه , تعتمد البرامج القابلة للحياة والتطبيق اساسا لعملها مستبقة بذلك عمل الحكومات البرلمانية.
نتمنى على دولة القاضي الرئيس ان يحكم بالعدل وان لا ينتقي اي شخصية جدلية او وزير من الحكومات السابقة , فقد ترددت اشاعات عن عودة خمسة وزراء من الحكومة السابقة ما اثار استياءا عاما , وستتصاعد حدة هذا الاستياء ليكون اول مسمار في نعش الحكومة ما سيعرقل عملها ويسرع رحيلها, فكيف سيرضى الشارع الذي تم تغيير الحكومة لاجله بوجود اي وجه من الوجوه السابقة التي حملت وزر فشل الحكومة في كل شيء.
نرجو ان لا ترتكب الحكومة هذا الخطأ الفادح , وما نخشاه حقيقة ان تكون النصيحة اما متأخرة , او لم يأخذ بها اصلا والثانيةربما تكون ارجح , لترجح استدامة بقاء قوى الشد العكسي وقوى التاثير السلبي والمصالح الفردية والجهوية وقوى الابقاء على المنصب بعيدا عن اي مصلحة وطنية , احذروا, كان هذا مقتل جيراننا - ان نفعت الذكرى -.