أمام رئيس الوزراء المكلف د. عون الخصاونة, ومدير المخابرات الجديد اللواء فيصل الشوبكي فرصة ذهبية لترك بصمة تحديثية بشقيها السياسي والامني والمساعدة على تغيير نهج جلب الويلات للحاكم والمحكوم واستنفد ما تبقى من ثقة شعبية في مؤسسات الدولة المأزومة.
رحلة محفوفة بالمخاطر والتحديات تنتظر الرجلين. عليهما تبني برامج "ثورية" لتهدئة البلد وتلبية المطالب بالاصلاح ومحاربة منظومة الفساد المتجذر في زمن لم يعد الشعب يخشى سلطة أحد ولا يخاف من قول كلمة حق أو باطل.
د. الخصاونة قاض دولي وسياسي وطني يحمل فكرا تحديثيا, يصر في لقاءاته التشاورية مع الاحزاب والكتل البرلمانية أنه تلقى ضوءا أخضر لاستعادة ولاية الحكومة العامة بعد أن كلّفه الملك بتنفيذ خارطة طريق مبرمجة صوب إصلاح سياسي, اقتصادي ومجتمعي.
يؤكد المتخلي عن مستقبل رفيع في لاهاي أنه سيحول دون استمرار تدخل جهاز المخابرات في تفاصيل المشهد السياسي, البرلماني, النقابي, البلديات والجامعات. كما يمد يده للإسلاميين وقوى الحراك السياسي, المجتمعي والشبابي المستنفر, لافتا على أنه سيتعامل معهم كشركاء لدعم أمن الاردن واستقراره.
هذه التصريحات الجريئة, التي تحسب له اليوم, قد تنقلب ضده في حال ظهرت إلى السطح مجددا أصابع خفية ما تزال تحرك خيوط السلطة التشريعية واستمر التفرد بالقرار. نفوذ قوى الظل اياها ستتجلى مرة أخرى إذا اضطر لقبول ترشيح أعضاء في فريقه, مخضرمون أو جدد لم يخترهم. هذا التداخل سيؤثر على تجانس الفريق الوزاري ويتحول الى عبء واضح في أول أزمة قد تنفجر في وجه الحكومة.
فهذه الحكومة جاءت بآلية التشكيل ذاتها وعلى النهج ذاته, ما يعني بقاء احتمالات استمرار الحالة المتردية وترحيل الازمات.
اللواء الشوبكي, في نهاية الخمسينيات, عمل سفيرا لدى المغرب منذ أخرج من منصب مساعد مدير دائرة المخابرات لشؤون العمليات في عهد اللواء سميح عصفورة منتصف العقد الماضي. ولدى تكليفه بهذا المنصب الحيوي, تلقى اللواء الشوبكي أوامر ملكية استثنائية بتحديث الجهاز وحصر دوره داخل المربع الامني كما كان قبل عقدين. وفي ردّه على رسالة التكليف الملكية, أعلن اللواء الشوبكي أنه يصدع لاوامر رأس الدولة.
إذا, حصل د. الخصاونة واللواء الشوبكي على كرت ملكي أبيض للعمل بمطلق الحرية في قنص فرصة التحول التي تتطلب حكومة قوية ومخابرات لا تعرقل عملها.
الرجلان أمام مسؤولية خطيرة الان: إما دفع الاردن قدما وترك بصمتيهما على أهم مرحلة تحول سياسي في تاريخ الاردن الحديث, أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وجر البلاد صوب فوضى غير خلاقة وعنف مجتمعي يجعلان مناوشات "سلحوب", "ساكب, وقبلهما "دوار الداخلية" و"ساحة النخيل" أقرب الى بروفة.
التحدي الآني العمل بسرعة لإعادة ترميم الواقع المدمر الذي ورثاه, قبل ان يستطيعا بناء قواعد الاصلاحات المطلوبة, وتكاملية بين المؤسستين, حيال حزمة الاصلاحات والقوانين. ينتظر الحكومة استصدار قوانين الاحزاب, الانتخابات ولجنة مستقلة لإدارتها ثم إجراء انتخابات بلدية وتشريعية ومراجعة التعديلات الدستورية لخلق توافق مجتمعي. فالخصاونه ورث من حكومة البخيت سلسلة أزمات مع التيار الاسلامي وتيارات الحراك السياسي والشعبي, ومع القطاع الخاص, المحرك الاستثماري وخالق فرص عمل.
فهل ينجح رئيس الحكومة الجديد ومدير المخابرات في تحويل قناعات الاردنيين بأن الاصلاح لم يعد لعبة عبثية لشراء الوقت والابقاء على سياسات الامر الواقع لمصلحة فئة تلعب بمقدرات البلاد والعباد, وانما غدا عملية سياسية/تشريعية تراكمية مدعومة بخارطة طريق بمواقيت ثابتة? وهل تمكنان ان من فتح الباب أمام وجبة جديدة من التعديلات الدستورية بعد انتخاب مجلس نواب أكثر دسما, بما يضمن استرجاع النظام الملكي النيابي الوراثي وفق دستور 1952? وهل ستتحول السياسات الاصلاحية إلى سلوك حكومي وأداء سياسي وأمني يؤسس لمعادلة وطنية جديدة يظللها الدستور والقانون, وتسمح بقيام دولة العدل والحاكمية الرشيدة ونظام نيابي ملكي هاشمي يقف على مسافة واحدة من الافرقاء كافة?
الطريق أمام الرجلين مليئة بالمطبات والحفر. لكن الاردنيين يستحقون مستقبلا أفضل.
ينتظر من اللواء الشوبكي التحرك بسرعة لإعادة رسم مهمات الجهاز وصلاحياته "كبنك معلومات" للملك ولرئيس الوزراء وأي جهة أخرى داخل مكونات الدولة الرسمية تحتاج إلى مشورته. مخ للدولة يوفر تحاليل واقعية ودقيقة عن التهديدات الداخلية والخارجية والوقاية من مخاطر الارهاب.
اللواء الشوبكي لا بد انه يدرك بأن القيادة يجب ان تكون بالقدوة. كابن للجهاز, يعرف أيضا صعوبة محاولة تغيير عقلية القائمين على مؤسسة متكلسة تعودت أن تعمل بصمت وأن يكون لها كلمة الفصل في غالبية القرارات الوطنية. وعلى اللواء الشوبكي تغيير الانطباعات المسبقة عنه بأنه كان جزءا من قوى الشد العكسي التي عاندت تنفيذ الاجندة الوطنية قبل سنوات. وفي الصورة الكلية, ينتظر من رجال الجهاز القبول بأن العالم حولهم تغير وأن آليات العمل اختلفت في زمن الاضطرابات.
يعتمد نجاح مرحلة د. الخصاونة واللواء الشوبكي على نوعية المنفذين الذين سيختارانهم وعلى إمكانية تطبيق البرنامج الاصلاحي الذي سيتبنيانه.
لن تجدي د. الخصاونه نفعا لائحة مناقبه الشخصية الحميدة, وهي كثيرة: نظافة يده, ثقافته الواسعة, خلقه الرفيع, وبقاؤه خارج صراع حاشية النظام وطبقة الكريما السياسية التي عايشها الاردنيون خلال العقد الماضي. كما لم يكن جزءا من شبكة الفساد الرسمي المدعوم. تحسب ضده قلّة خبرته التنفيذية داخل الحكومة. فلم يسبق له أن عمل وزيرا. كما أنه عاش سنواته الاخيرة في لاهاي, مدينة أوروبية مثالية ومقر محكمة العدل الدولية, ما أبعده عن تفاصيل المشهد الداخلي الملوث. وسيحتاج إلى تسمية ساسة محترفين لتولي حقائب دولة لشؤون الرئاسة, دولة للشؤون البرلمانية والتنمية السياسية. سيحتاج الى نائب رئيس ووزير مالية قوي يدير الملف الاقتصادي, ويضع خارطة طريق للتعامل مع الازمة الاصعب وفي الوقت ذاته استعادة ثقة القطاع الخاص الذي شعر بالتهميش في زمن البخيت.
فهل يقنص الرجلان الفرصة الاخيرة لإنقاذ الاردن عبر الاسراع في تنفيذ إصلاحات شاملة ومتكاملة? أم سينشغلان - كغيرهما - في معارك مباشرة وجانبية أثناء رحلة تحديد الصلاحيات بين الرئاسة, المخابرات والديوان - هذه المعادلة المتشابكة المفتقرة لعلاج فوري ضروري لحماية النظام; الذي بدوره, يحتاج لاظهار جدية نوايا خطاب الانتقال الى الديمقراطية بعد سلسلة اصلاحات شكلية تلميعية?
يحتاج د. الخصاونة لحسم قضية "البلطجية" والخارجين على القانون. وعليه توفير ضمانات بأن أيا كان داخل الدولة لا يمكنه الاعتماد على البلطجية للتعامل مع القوى الاصلاحية.
من مصلحة العرش أن يسترجع رئيس الوزراء الولاية العامة بإسناد المؤسسة الامنية, لا أن تعاديه. ومن مصلحته تشكيل حكومة قادرة على استحضار دعم الاحزاب والتيارات اليسارية والشبابية الناشطة بخاصة ان عددا من الاحزاب, بمن فيهم الاسلاميون, يفضلون عدم المشاركة في ظل تفاقم الازمة الاقتصادية والسياسية, حتى لا يخسروا شعبيتهم.
يأمل الاردنيون بأن تكون حكومة د. الخصاونة الاخيرة التي تتشكل حسب الطريقة القديمة البالية. فهل يستطيع الرئيس وضع ميكانيزمات عبر تعديل منظومة قوانين الاصلاحات السياسية والحريات وفتح الباب امام تعديلات دستورية جديدة تتعلق بالمادة 35 وبعمل المحكمة الدستورية لخدمة العرش والوطن? وهل سيحظى بدعم اللواء الشوبكي والدائرة العتيدة?.(العرب اليوم)
rana.sabbagh@alarabalyawm.net