لو سألتني: ما هو أقصر طريق أمام رئيس الحكومة الجديدة «لاستعادة» ثقة الناس بدولتهم ونظامهم السياسي.. وبجدية العبور نحو الاصلاح، لقلت على الفور: ان ينزل الى «الشارع» وينضم الى مسيرات الشباب ويخاطبهم وجها لوجه، لكن قبل ان اقول لماذا؟
لنتذكر ان الرئيس المكلف اجرى على مدى الايام الماضية «مارثونا» من اللقاءات والمشاورات مع العديد من النخب والقوى السياسية المختلفة، ولنتذكر ايضا بان الرؤساء الذين سبقوه فعلوا ذلك، لكن ما لم يتبادر الى ذهن اي رئيس هو ان مفتاح «التفاهم» والخروج من الازمة اصبح بيد «الشارع»، صحيح ان لبعض القوى تأثير فيه، لكن الصحيح ايضا ان لدينا نحو ثلاثين «حراكا» ما زال غير مؤطر وليس لديه اية «قيادة» توجهه، وبالتالي فان مخاطبة هذه الحراكات «عبر» بعض الشخصيات التي تحاول «ركوب» الموجة او تتوهم بانها تمثل هؤلاء الشباب لن يفضي الى تغيير «المشهد» بل ربما يساهم في اصرار «المحتجين» على مواقفهم ومطالبهم لشعورهم بالاهمال.
مشكلة الحكومات السابقة انها «ابتعدت» عن الشارع، او تعاملت معه عبر «وسطاء» لا يمثلونه، او انها تحدثت معه من «ابراجها» العالية، وبالتالي كان رد الشارع متوقعا ومفهوما وهو المطالبة باسقاطها وتغييرها.
الآن، يبدو المزاج العام «مهيأ» لقبول حكومة جديدة يفترض انها مختلفة عن سابقاتها ومعيار «الاختلاف» والتمايز هذا يفرض عليها ان تبادر الى «ممارسات» مختلفة ايضا.. اولها ان تمدّ يدها الى الناس بعد ان مدتها الى «النخب»، وان تنتزع شرعية قراراتها «منهم» وان تكاشفهم وتقول لهم بصراحة: المهمة صعبة، والحكومة لن تستطيع ان تفعل شيئا اذا لم يقف «الشباب» المطالبون «بالتغيير» معها ثم تضع امامهم «برنامجها» وتقنعهم به.. وتأخذ مطالبهم على محمل الجد وبذلك تضمن نجاحها من خلال قوة «الشارع» والاغلبية الصامتة التي تؤيده.. وهي ضمانة تكفي وتزيد.
دعوة الرئيس للنزول الى الشارع ومخاطبة «الحراكات» الشعبية لا تعني فقط المشاركة في «المسيرات» كتعبير «رمزي» عن القواسم المشتركة بين ما تريده الحكومة وتسعى لتحقيقه وبين «مطالب» الناس المحقة وانما تعني –ايضا- التأكيد على ان الحكومة جادة في «المصالحة» مع الشارع ومطالبه، وجادة في فهم رسائله وفي منع «الاعتداء» على نشاطاته وتجمعاته، وهي عندئذ تقدم نفسها «كسلطة» خرجت من رحم الناس، تستمد شرعيتها منهم وتقيّم اداءها بناء على «معيار» الرضى الشعبي المتعلق «بالثقة» في الانجاز.
لدى الرئيس الجديد ما يلزم من «سمات» شخصية لكسب «الشباب» المحتجين في الشارع الى صف الحكومة واستثمار «مطالبهم» لدفع الاصلاح نحو الامام، لكن ذلك سيتوقف على قدرته على اختراق حواجز «الصمت والقطيعة» للدخول وجها لوجه مع هؤلاء في حوارات حقيقية، والانصات لاصواتهم عن قرب واقناعهم بأنه «واحد منهم» وبأن ما يطالبون به هو ذاته الذي يطالب به ويسعى لتحقيقه.. وعندئذ يمكن ان نتوقع عودة الثقة بين الناس ومؤسساتهم الوطنية.. وعودة «الاصلاح» ايضا الى «السكة» الحقيقية التي امضى الضباب اكثر من «9» شهور في تعبيدها ووضع ما يلزم من اشارات للمرور عليها بأمان وسلامة.
باختصار، عنوان «الازمة» كان وما يزال في «الشارع» وعنوان حلها او تجاوزها لم يتغير، واذا كانت الحكومة الجديدة تريد ان تبدأ وان تستمر «خلافا لما سبقها من حكومات» فعليها ان تذهب الى ذلك العنوان.. واعتقد انه معروف ويمكن ان تسمع منه ما تحتاجه من اسئلة او اجابات.
(الدستور)