التغيير و الشارع و التلاحم الوطني
22-10-2011 02:48 PM
حراك الجمعة الماضية اشار الى تحول حقيقي في نبض الشارع الأردني وطريقة تعبيره عن رغباته. و من اللافت أن الشارع أبدى رفضه التام للطريقة التي لازال يتم فيها اختيار الحكومات, و هذا يعني أن فشل الرئيس المكلف و حكومتة الحالية في ادارة المشهد قد ينقلنا الى مرحلة جديدة ينتهي فيها عهد تشكيل الحكومات بهذه الطريقة. الامتحان الحقيقي اليوم لاثبات حسن النوايا للشارع هو بتقديم الحكومة للاسباب التي استدعت تكليف كل وزير و النتائج المرجوة من وجوده بحيث يكون هذا الامتحان الحقيقي للحكومة و التي من المفترض أن يسائلها الشعب عنها.
المشهد لا يمكنله أن يتغير فعلاً عن المشاهد السابقة بتغير الأشخاص فقط, بل بتغيير السياسات, و هذا كان واضحاً وجلياً في الشعارات و طريقة الخطاب, فالسياسية الأمنية المنُتقدة و المرفوضة لم ترتبط فقط بشخص واحد كذلك هي السياسات الحكومية و أسلوب ادارة الدولة. و من الواضح أن حساسية الأوضاع لا تترك مجالاً للأخطاء في هذه المرحلة, و مهمة الحكومة هي مهمة صعبة للغاية تشبه في حالها المشي على حد السكاكين.
أهم ما يلاحظ من تحولات هو ظهور حالة التلاحم الوطني بين أبناء الوطن بصورة تشير الى تولد فكر سياسي جديد, أسس هويته الوطنية على هموم و الام الأردنيين, و بالرغم من حالة الشرذمة السياسية التي عشناها طوال السنين الماضية و حالة التفتت و البعد و الفشل في بناء هوية وطنية جامعة الا أن الأشهر القليلة الماضية أثبتت أن الأردنيين هم كتلة واحدة تتداعى لنصرة بعضها و لا يخذل فيها الواحد منا الاخر. فانتصار كل حراك المدن الأردنية دون استثناء من اربد الى معان فالكرك و الشوبك و جرش و عمان لمحاولات الالتفاف على أحرار الطفيلة و ترهيبهم أو حتى تخويفهم. فالجميع قال كلنا الطفيلة من الشمال الى الجنوب و كلنا أصحاب "لسان طويل" و ان اردتم ان تحاكموا فحاكمونا جميعاً.
اذاً يبقى قصور الذهن السياسي هو العامل المسيطر على فكر كل من لا يدرك التحاولات المعاصرة من سقوط الأوهام الى تحطيم كل الأصنام. فلا زلنا نشهد حالة من الرجعية الفكرية, و الا كيف يكون هناك من يوجه تهم اطالة اللسان في خضم الربيع العربي, ففكر الكاتبجي ولى الى غير رجعة و من يعتقد بقدرة أدوات الماضي على مواجهة تطورات الحاضر كان كمن يتوجه بالدعاء الى هُبل بعد فتح مكة.
حراك الرئيس في الأيام السابقة حراك مميز, كان فيه اسقاط لفكر التعالي و رفض الاخر, و فيه استيعاب حقيقي للتحولات و لشكل العلاقة مع مكونات الحياة السياسية الأردنية الجديدة من قوى معارضة و قوى شبابية ناشئة, و حتى مع اللاعبين السياسيين المخضرمين من الاسلاميين الذين و بحنكتهم السياسية و فكرهم البراغماتي يدركوا تماماً ان الشارع هو اللاعب الأكثر تأثيراً و ان الدخول في حكومة فقط لدماثة خلق رئيسها هو عمل يُصنف من باب المراهنات غير الرابحة, لذا تكون نظرية التعامل مع الحكومة في هذه الحالة هي اغلاق الباب مع الاحتفاظ بالمفتاح, لذا الدخول الى الحكومة بشخصيات من الحراك الاسلامي هو امر مستبعد, و لكن الدخول بحلفاء من الصف الأول او بشخصيات اسلامية مستقلة هو امر وارد يحفظ خط العودة و يفتح باب المودة.
و تبقى مهمة الرئيس صعبة و يزيده صعوبة بلا شك مسألة المادة 74 و طريقة تعامله معها, فالكثيرين ينظرون لهذه المادة على انها الامتحان الأول و الحقيقي الذي يواجه الرئيس, فالمأزق الدستوري سيحد من قدرة الرئيس على حل البرلمان لأن هذا سيعني نهاية وجوده في الدوار الرابع, و تعديل المادة سيُنظر اليه على أنه بداية غير موفقة للفكر الاصلاحي المزعوم و بالتالي ستبدأ العلاقة بفكر التغول على الدستور, عداك ان تعديل المادة لن يكون بالامر السهل و لن يمر في مجلس النواب بهذا السهولة حيث ان تعديلها يعني عودة النواب الى منازلهم و انهاء و جودهم في العبدلي. اذاً, اذا كان خيار الرئيس بحل المجلس وارداً فهذا يعني تقلده المنصب لشهور قليلة, لذا قد يكون من الواجب التركيز في هذه المرحلة على اصدار قانون انتخاب عصري مقبول من الجميع و التعامل مع قضايا الفساد و القضايا التي تم التغول فيها على مقدرات الوطن بطريقة شفافة تثبت حسن النية و الرغبة الحقيقية بالتغيير أمام الشارع الأردني المتعطش لمثل هذه اللحظة, و من المهمات الأساسية أيضاً التي ينتظرها الشارع اعادة هيكلة الأجهزة الأمنية و وضعها تحت الوصاية العامة و اعادتها للعمل ضمن مربعها الأمني بطريقة حداثية تعيد هيبة الدولة و تحترم المواطنيين.
د.عامر السبايلة
http://amersabaileh.blogspot.com