ساعات قليلة "قلبت" المشهد!
د. محمد أبو رمان
20-10-2011 03:48 AM
تحولات مهمة ومفصلية حدثت خلال اليومين الماضيين ردّت الروح لعملية الإصلاح؛ بدأت بتغيير الحكومة، ورسائل الانفتاح على المعارضة والإسلاميين، ومن ثمّ الرسالة الملكية التاريخية لمدير المخابرات العامة الجديد، التي تمثّل وثيقة مهمة بحد ذاتها.
ورغم أنّ هذه الخطوات والرسالة لم تستغرق أكثر من ثلاثة أيام فقط، إلاّ أنّها قلبت المشهد رأساً على عقب، وتحديداً بعد فوضى البلديات وأحداث سلحوب وساكب، وارتفاع السقوف في شعارات الشارع إلى درجة غير مسبوقة، خلال العقود الماضية كاملة.
بين ليلةٍ وضحاها انتعشت آمال المواطنين والقوى السياسية، فتغيّرت تماماً اللغة المتداولة في الأوساط الإعلامية والسياسية، بل وأعيد رسم صورة البلاد في وسائل الإعلام الخارجية.
إذا كان هذا يدل على شيء واحد فقط، فعلى أنّه إذا توفّرت إرادة حقيقية في الإصلاح السياسي لدى مطبخ القرار، وقضي الأمر، فإنّ المزاج السياسي والاجتماعي بأسره سيتغيّر.
رئيس الوزراء المكلف زار أول من أمس أحمد عبيدات، رئيس الوزراء الأسبق ورئيس الجبهة الوطنية للإصلاح، وهي رسالة سياسية بامتياز، وأعلن بوضوح أنّه نال ضمانات ملكية بالإمساك بصلاحياته كاملة، وبدأ بالفعل مشاورات من أجل دخول المعارضة لحكومته في هذه اللحظة التاريخية الانتقالية.
في غضون ساعات قليلة قام الملك بتحويل المسار كاملاً، وأنقذ "خريطة الطريق" من الاصطدام بالحائط في اللحظة الأخيرة، وحمى الانتخابات البلدية من الفشل الوشيك، وأمسك بالبلاد قبل الوقوع في هاوية سحيقة، بتأجيل الانتخابات البلدية ومراجعة ملفها كاملاً.
لم يترك الملك الأمور للتوقعات والتحليلات في تزامن التغييرات الكبرى. فوجّه رسالة غير مسبوقة إلى مدير المخابرات العامة الجديد فيصل الشوبكي، حدّد فيها بوضوح ضرورة ترسيم الخطوط الفاصلة بين السياسة والأمن، وطبيعة العلاقة المطلوبة بينهما، بل ودور جهاز المخابرات العامة ومهمته في دعم مشروع الإصلاح ومسيرته وحماية حقوق الإنسان وصون الحريات العامة والفردية، وتطوير دور الجهاز وقدراته ليتواءم مع المرحلة الجديدة التي تدخلها البلاد.
الرسالة رائعة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تعكس بوضوح توجهات الملك التي عبّر عنها سابقاً في جلسات خاصة، بعد أن استمع إلى جيل الشباب والناشطين الذين كانوا دوماً يصرّون على ضرورة تحرير الحياة العامة والسياسية من هيمنة المنظور الأمني، وهو ما لا يمكن أن يحدث بـ"كبسة زر"، كما يقول مقربون من الملك، لكنه يحتاج إلى بوصلة واضحة وخطوات بالاتجاه الصحيح. الملك تقدّم خطوات ثابتة وحاسمة وجريئة إلى الأمام، خلال الساعات الماضية، وأعطى دفعة قوية لقطار الإصلاح. صحيح أنّنا لا نتوقع -بالضرورة- أن تحدث تغييرات كبرى مباشرةً وعلى الفور، لكن يكفي من هذه الخطوات والرسالة أنّها زرعت الثقة من جديد بالدولة وسياساتها، ومنحت إشارات واضحة ومحدّدة بالتوجه نحو دولة المواطنة والإنجاز والقانون والشفافية، بعد أن كان الجميع يشكون من تناقض رسائل الدولة واختلاف وتباين رهانات دوائر القرار بين من "يؤمن بالإصلاح" ومن يؤمن بـ"ضد الإصلاح"!
المهم، الآن، أن تنعكس تلك الرسائل والخطوات والإشارات بصورة واضحة على أرض الواقع من خلال التشكيل الوزاري أولاً. ومع أهمية شرط النزاهة الذي تحدث عنه الرئيس، إلاّ أنّ هنالك شرطا آخر لا يقل أهميةً، وهو الإيمان بالإصلاح وضرورته داخل الفريق الوزاري نفسه.
إنّ إثبات مصداقية هذه الخطوات يتمثّل، اليوم وليس غداً، بإزالة "الألغام" من طريق الحكومة الجديدة فوراً، وبرفع الظلم عن أبناء "السلفية الجهادية"، وإلغاء تحويل أربعة من ناشطي الطفيلة إلى المدعي العام.
(الغد)