لا تجد بلداً في العالم الا ويتبنى أحد نماذج ثلاثة حقيقية او يتم افتعال بعضها،لادامة وجوده،ولرص صفوف الداخل،وغير ذلك مجرد دولة تعمل بالمياومة،فتسير من يوم الى يوم،دون اي برنامج،او تخطيط.
الانموذج الاول،هو انموذج مواجهة العدو،فيكون هناك عدو يتم تحشيد صفوف الداخل ضده،وفي حالات يتم اختراع هذا العدو،ولنا في دول عديدة ادلة على ذلك،فواشنطن منذ عام 2001 وضعت التطرف الاسلامي عدوا،فرصت صفوف الداخل الامريكي،واخترعت معركة،ما زالت مستمرة،حتى اليوم.
عربيا.. فان الانموذج السوري يأتي بارزاً،وعبر عقود،قيل ان العدو يتمثل باسرائيل،وان سوريا منشغلة بالمعركة،فذابت كل تفاصيل الداخل السوري،تحت وطأة المعركة،التي تبدت اكثر في لبنان وفلسطين،وكان الاهم،ان اي خروج على عنوان العداواة،تتم مقابلته بكلفة كبيرة،من الدولة السورية،لانها مشغولة بالعدو،ولا يجوز التشويش عليها!.
الانموذج الثاني هو انموذج دولة الرفاه،فلا عدو ولا ما يحزنون،فيتم اغداق المال،على شكل رواتب ومخصصات،ومزايا اجتماعية،فيعيش الناس في احسن ظرف،ويتحد كل هؤلاء على مصلحتهم التي عنوانها،عيشهم الرغد،ولنا في دول خليجية امثلة،وفي دول اوروبية امثلة ايضا،فلا نظرية حزبية،ولا عدو داخليا ولا خارجيا،وهذا انموذج يطبق في الدول الثرية جداً،التي لا عدو لها.
الانموذج الثالث هو انموذج المشروع الوطني الجامع لكل الناس،فالذي لا عدو له،حقيقياً كان ام مستحدثاً،ولا مال لديه ايضا لتطبيق الانموذج الثاني،يهرب الى مسرب ثالث،سواء عبر اشغال الناس،او مداراتهم،او عبر وجود مشروع وطني كبير.
كأن نقول ان تلك الدولة لديها مشروع بنشر اللغة العربية في العالم،او تشجير النصف الاخر من الكرة الارضية،او تصدير فكرة سياسية او مذهبية،او استرداد الاندلس،وتنظيف شواطئ جزر المالديف.
هذا الانموذج تكاد تراه في بعض الدول مثل ايران،الذي يمزج انموذجها بين صفات الثالث،اذ تمتلك مشروعاً سياسياً كبيراً وممتداً،يختلط بسمات من الانموذج الاول،اي وجود العدو،وهو هنا اسرائيل والولايات المتحدة.
كل النماذج الثلاثة،تضع عنوانا للدولة،اما مواجهة العدو،او توزيع المنافع،او الدولة التي لديها فكرة عقائدية او سياسية،او مشروع قومي او وطني جامع.
هذه عناوين،تجمع صفوف الداخل في اي بلد،ودعونا نتذكر معا اننا في الاردن،كنا في قمة التوحد الوطني الداخلي،والانسجام،حين حدثت تفجيرات عمان لاننا كنا امام انموذج العدو الذي فجّر في البلد،وقتل الناس،وفرض نفسه،دون تخطيط مسبق او استدعاء.
المشكلة اليوم تتعلق بشعور الاردنيين بعدم وجود عنوان للدولة،وادى هذا الشعور الى غياب الثقة بالمؤسسة العامة،والدخول في مرحلة انعدام الجاذبية،وكأننا مجرد اناس نعيش على الكوكب نأكل ونشرب،ولانعرف لماذا نعيش في هذه الدنيا؟!.
في السمة الاخرى،لسنا دولة رفاه،بل على العكس،تتأوه الخزينة ليل نهار،وتجمع المال من جيوب الناس،الذين لا يجدون قمحاً في معاجنهم،فتصير الدراسة الجامعية كارثة،والعلاج مصيبة،فلا سمات لدولة الرفاه لدينا،الا لدى نخب اجتماعية ثرية،دون ان يكون ذلك عنوانا للدولة.
في الثالثة،لا مشروع وطنياً لدينا،فمن نحن؟!وماذا نخطط للمستقبل،وما هو عنوان المواطنين،هل نحن دولة تصدير للكفاءات،ام دولة سياحة،ام دولة دينية،ام دولة حريات،ام دولة شامية ام خليجية،الى اخر هذه التفصيلات،بما انتج غيابا للتفصيلات،وغيابا لعنوان يصلح ان يكون مشروعاً وطنياً جامعاً لكل الناس.
اصحاب القرار عليهم،ان يحددوا سمات الدولة من جديد،ويبحثوا عن انموذج يحمل صفات احد النماذج الثلاثة،او يمزج بين سمات انموذجين،حتى لا يبقى هذا الشعور بالفراغ،فتغيب الثقة بين الشعب ومؤسستهم العامة،ويصير المشهد قائماً على الخوف والتشكيك،وعدم معرفة الى اين تسير هذه الحافلة؟!.
لعل هناك من لديه القدرة ان يستبصر حالنا جيداً،ويتذكر ان شعبنا يشعر انه وحيد للغاية،فيما اسهمت السياسات العامة الى تحويله الى مجاميع سكانية،تتقاتل وتختلف على ابسط المنافع،ويسيطر الشك والتنابز،فيما يغيب الاردن عنواناً جامعاً له مشروعه ومستقبله.
(الدستور)