ملاكمة..
جمال القماز
سنة (ألف وتسعْميّة وخشبة) إضطرتني ظروفي ـ كوني إبن الضُّرة ـ أن أتدرب الملاكمة .. فقد كنت الوحيد, بعد 6 بنات , من أمي الثانية ـ رحم الله أمّاي .. سميحة وجميلة ـ وكنت أكل يومياً عشرات "الخماسي" و "البُكسات" ما يعجز عن حمله أو تحمّله " بغل " أو ملاكم مُحترف ..
قلتُ, لمَ لا أذهب لتعلُّم الدفاع عن النّفْس’’’ وفعلا هذا ما كان ..
كان عمري دون السبعة عشرَ عاماً .. وما هي إلاّ شُهور عدّة حتى بتُّ مميزاً بين أقراني , وكان حافزي الأول, والآخر هو الظلم والضرب المبرح, الذي اتلقاه يوميا كوني إبن الضرة ..
بعد , جدٍّ وتعبٍ ومعاناة لاحظني المدرب الكبير( ناصر الحديدي) , وعمل على تجهيزي لكي اخوض بطولة المملكة للناشئين دون سن الـ 17 ففزت في مباريات ثلاث, وفي جولاتها التسع , ووصلت الى النهائي وحققت البطولة..
الصحف الأردنية نشرت الحدث, وأفردت للمباراة خاصتي نصف صفحة, تخللتها صورتي بذات الحجم
.. وحين حملت الصحيفة الى أبي كي أخبره ما حققت كانت المصيبة ..
لم تكن البطولة مُبتغاي بل أردتُّ ردّ لكمات " اخواني" عن وجهي ـ كوني إبن البطة السوداء ـ .... بعدها لم اتلقَّ أي صفعة ولا حتى " شلّوت" .. بل أنّ ابي جميل ـ رحمه الله ـ أدرك بأني بتُّ قادرا على إلحاق الأذي بمن يؤذيني .. وكان أن صفعني غير مرة وقال : يا إبن الـ ( .. ) ؟ بدك تصير " بوكسير" بمعنى هل تريد أن تنقلنا من لحظة ضعفك الى إنتقامك ؟
هنا ’’’ وقفتُ وبكيت كثيرا فلقد أُثّرّت فيَّ صفعات أبي أكثر ما كنتُ أتلقاه في التدريب ( ثماني ساعات يومياً .. تخللها أقسى أنواع الضرب والتحمُّل ) لكنني لم أقف صامدا امام لكمات أبي... لأني , كنت, وما زلت , أحبه ..
أحياناً , نغفر للذي يضربنا ... ونُسامح الذي يؤذينا برغم أننا قادرون على صدّه وإلحاق الأذى به .. لكن متى يشعر هذا المؤذي بأننا لم نقبل تلقي اللكمات والصفعات اكثر . فإننا محترفون في ردِّ الأذى... وأكثر من ذلك نستطيع ترك عاهة مُستدامة لمن يعتقدون أنهم يصفعوننا كل يوم على اعتبار اننا اولاد الضرة ..
مِنْ ( صُلب الوطن) , خرجنا .. وبرغم آلام الجولات وبرغم قساوة اللكمات هناك جولة أخيرة ولكمة قاضية تُطيح بالباطل أينما كان ..
Jamal-gammaz@hotmail.com