بعد وفاة الخليفة عمر ، اثر طعنه بينما كان يصلي بالناس في المدينة عام 23هـ 644م ، تولى الخلافة بعده عثمان بن عفان ، الذي استمر حكمه إلى عام 33هـ 656م ، وقد بقي معاوية في زمن عثمان واليا على الشام . وبعد مقتل عثمان انتخب علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين ، وقد اتهم بالتهاون مع قتلة عثمان ، فقام معاوية ببلاد الشام يطالب بدم عثمان ، فأراد الخليفة علي عزله إلا انه أبا ، فقرر الخليفة أن يسير لقتاله ، إلا انه فوجيء أيضا بمخالفة طلحة والزبير وعائشة وتحولهم إلى العراق ، فاضطر لمحاربتهم في معركة الجمل واخذ بيعة أهل البصرة ، ثم اتجه إلى الكوفة وجعلها عاصمة للخلافة بدلا من المدينة ليضمن وقوف العراقيين إلى جانبه في إخضاعه لمعاوية . وفي 36هـ 657سار الخليفة علي لمحاربة والي الشام معاوية ، الذي أعلن العصيان ، فتقابلا في صفين جنوبي حلب ، فتقاتلا لمدة ثلاثة أيام ، وقد أحرز علي نصرا مبينا على جيش معاوية ا، حيث تفرق جيشه خلا حرسه ، وكان قائد حملة علي الأشتر النخعي ، وبينما كان الأشتر على وشك القضاء على حرس معاوية ، إذ بالمصاحف قد رفعت على رؤوس الرماح ، من قبل جيش معاوية ، بتدبير من عمرو بن العاص ، قائلين : هذا كتاب الله بيننا وبينكم . فكان أن اختلف أصحاب علي فريق أراد الاحتكام لله وفريق أراد القتال على اعتبار أن رفع المصاحف مكيدة . فأرسل الخليفة علي الأشعث بن قيس ليسأل معاوية عما يريد فقال معاوية للأشعث : نرجع نحن وانتم إلى ما أمر الله في كتابه : تبعثون منكم رجلا ترضونه ونبعث منا رجلا ، ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله ، ثم نتبع ما اتفقا عليه . فلما عاد الأشعث واخبر عليا رضي الناس بالحكم بكتاب الله . فانتخب أهل الشام عمرو بن العاص وانتخب الخليفة علي أبا موسى الأشعري. رغم أن علي بن أبي طالب أراد عبد الله بن العباس أو الأشتر النخعي . ثم كتب الفريقان عقد التحكيم إلا أن الأشتر النخعي رفض فكرة التحكيم واعتبرها مكيدة لتحويل نصر جيش الخليفة إلى هزيمة .
وقد كان معظم أهل الشام مع جيش معاوية في صفين بما فيهم أهل الأردن ؛ فقد كان عبد الرحمن القيني على رجالة الأردن ، وحبيش بن دلجة القيني على قضاعة الأردن ، ومخارق بن الحارث الزبيدي على همدان الأردن، ويزيد بن أبي النمس الغساني على غسان الأردن ، وحسان بن بحدل الكلبي على قضاعة الأردن .
وفي 37هـ 658م اجتمع الحكمان في أذرح من بلاد البلقاء بجنوبي الشام قرب معان ، ولا يزال الجبل أو الربوة التي وقف عليها الحكمان تعرف إلى اليوم بجبل الأشعري ، نسبة لأبي موسى الأشعري . وقد اتفق الحكمان على خلع الخليفة علي والوالي معاوية وترك الأمر شورى ليختار الناس غيرهما خليفة للمسلمين ، وقد وقع على كتاب التحكيم في اذرح من رجالات الأردن حمزة بن مالك الهمداني ، وسبيع بن يزيد الهمداني ، ويزيد بن الحر الثقفي، ويزيد بن عمرو الجذامي ، والحارث بن زياد القيني ، وعاصم بن المنشر الجذامي . فقد دل ذلك على أن قضاعة الأردن وكلب والقين وقيس وهمدان وجذام تشكل عماد جيش معاوية في صفين .
وبعد ان اتفق الحكمان على التحكيم ، وقفا على الربوة لإخبار الناس بنتيجة التحكيم ، فتقدم أبو موسى الأشعري وقال : أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة ، فلم نر أصلح لأمرها ، ولا الم لشعثها من أمر قد اجمع عليه رأيي ورأي عمرو وهو أن نخلع عليا ومعاوية ، وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر فيولون منهم من أحبوا ، واني قد خلعت عليا ومعاوية ، فاستقبلوا أمركم ، وولوا عليكم من راءيتموه لهذا الأمر أهلا. ثم تنحى واقبل عمرو بن العاص فقال : إن هذا ما قد سمعتم ، وخلع صاحبه ، وأنا اخلع صاحبه كما خلعه ، واثبت صاحبي معاوية فانه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه . فتنابز الحكمان وانصرف أبو موسى من فوره إلى مكة .
ولم تستقم الأمور لمعاوية خليفة إلا بعد عام 40هـ660م . حيث رفض علي ما حدث في التحكيم باذرح لمخالفة ذلك للكتاب والسنة ، فرأي الخليفة علي العودة إلى الحرب بعد فشل التحكيم ، إلا الخوارج أعلنوا انعزالهم عن علي لقبوله التحكيم أصلا وهو الخليفة المنتخب ، حتى أن الخوارج هاجموا رجال علي وقتلوا بعضهم ، فاضطر الخليفة لمحاربة الخوارج لتوحيد الصف أمام معاوية ، فيما انصرف معاوية لأخذ بيعة أهل الشام لنفسه ، وأرسل عمرو بن العاص لفتح مصر ، وأرسل البعوث إلى الحجاز واليمن ففتحتا له وأخذت فيهما البيعة . ولم يبق لعي إلا العراق .
وما أن حل عام 40هـ 660م حتى كانت الفوضى تعم أرجاء الخلافة ، فمعاوية استقل بالشام وانفصل عن الخلافة ، وأخذت له البيعة في مصر والحجاز واليمن ، وثار الخوارج على الخليفة علي ، واتفق ثلاثة من الخوارج على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص ، وتواعدوا على تنفيذ ذلك في 17 رمضان . وقد نفذ عبد الرحمن بن ملجم المرادي مهمته بطعن علي بخنجر مسموم بعد صلاة الفجر فارداه قتيلا ، أما معاوية فانه جرح ولم يمت ، فيما نجا عمرو بن العاص لأنه لم يخرج للصلاة في ذلك الصباح ، إذ خرج عنه خارجة بن حزانه يصلي بالناس فقتله الخارجي ظنا منه انه عمرو .
وبعد أن قتل الخليفة علي بايع الناس ابنه الحسن ، إلا انه درس الظروف من حوله وتنازل عن الخلافة لمعاوية على شروط رضيها الطرفان . فسلم الكوفة لمعاوية وذهب إلى المدينة حيث عاش فيها ثماني سنوات قبل أن يتوفى مسموما .
وقد جعل معاوية عاصمة الخلافة إلى دمشق ، وقد أصبحت شرقي الأردن سكنا ثانيا لخلفاء بني أمية حتى لا يستمرون في ترفهم المدني في دمشق ، فما منهم إلا أن عاش معظم أيام السنة في بادية شرقي الأردن ، بعد أن أخذت نساء بني أمية يتغنين بالبادية فزوجة معاوية ميسون ابنة بحدل الكلبية أنشدت :
لبيت تخفق الارياح فيه = أحب إلي من قصر منيف
ولبس عباءة وتقر عيني = أحب إلي من لبس الشفوف
واكل كسيرة في شق بيتي= أحب إلي من أكل الرغيف
وكلب ينبح الطراق دوني= أحب إلي من قط أليف
فأرسلها معاوية مع أنها يزيد ليعيشا فيها .