facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




شاعر الاردن عرار


أمل محي الدين الكردي
07-08-2019 05:29 PM

مصطفى وهبي التل شاعر التمرد وصاحب النَور والصعاليك

شاعر من شعراء العرب في العصر الحديث يتميز بطابعه الفني كل التميز ولا يقيم أي وزن للمجاملات المألوفة والتقاليد ,مصطفى وهبي التل ,شاعر الاردن الذي كانت حياته نموذجا عجيبا للتمرد ,والثورة ,والانطلاق ,والتحدي ,وكان شعره مثل حياته تمردا وثورة وانطلاقاً.

وهو شاعر من طراز فذ, له في الشعر ميدان أصيل ,لم يكن يجري معه فيه شاعر عربي آخر.

وشعره هو شعر الطبع الأصيل الذي لا يعرف الصناعة ,وهو فن جديد غير ما عرفه الشعر العربي من فنون ,فن بارع طريف ,يستهوى القارىء ,ويستحق أن يظفر من الدارسين بنصيب جزل من العناية .

قامة قصيرة هزيلة ,ووجه طويل أسمر وفم مزموم ,ويدان وساقان تكاد تتجردان من غير العظام وطبقةٍ رقيقة جدا من الجلد. أما راحتاه فيكاد المرء يحسبهما كِفتَّىْ ميزان للحلىِّ أو للحرير لصغرهما , وأما الشكل الأجمالي فأقرب ما يكون الى مُومياء متحركة. فلو كانت الأجسام وحدها مقاييس الرجولة والعظمة والابداع , لما كان مصطفى وهبي التل شيئا ذا قيمة أو أثر في حياته. غير أنه في الحقيقة كان شيئاً عظيم القيمة ,بعيد الأثر في حياة الاردن ,وفي نهضته الأدبية ,وكان شعره أبعد أثرا من كل شيء لآخر في الاردن وكانت حوادثه ووقائعه وتصرفاته أحاديث الناس ,وشغل المسؤولين الشاغل في الاردن الى عام1949 ,حين طواه الأجل المحتوم ,فغرس الشعر على قلمه وفي حنجرته ,وذهبت معه حوادثه ووقائعه وتصرفاته.

لقد تقلب مصطفى في عدد كبير من وظائف الدولة العالية ,ولكنه تقلب كذلك في كثير من المنافي والسجون .وكان- يرحمه الله- يقول (إن الغرفة رقم 21 في سجن عمان المركزي مطوبة على إسمي)..فقد كان متمردا على الوظيفة ,وعلى كل شيء .وكانت صحبته أصدقائه من النوَّر والصعاليك أحب اليه من آي صحبة أخرى ولم يكن يخشى أي كبير أو ثري بلسانه وشعره ,سواء كان بالوظيفة ,أو العمل الحر –المحاماة- أو بغير عمل . ولذلك تقلب – منذ بدء عهد الأمارة في شرقي الاردن – في مختلف المنافي وفي سجن عمان المركزي . وكان المنفى والسجن مكانى الاستراحة المألوفين لديه بعد كل وظيفة ,ثم يعود منهما ليتسلم وظيفة جديدة خير من سابقتها ,فلا يلبث فيها طويلا ,ثم يعود الى المنفى أو السجن من جديد.

أما حبه العميق للأردن فقد أشتهر به بحبه الصادق العميق للأردن وللنوِّر وللصعاليك ,كما أشتهر بمعاقرة الخمر جهرا وبدون تستر وهذه كلها يصورها شعره أروع تصوير ,بل لعلها هي شعره كله .وهو يقسم بأسماء قرى أردنية, وأشخاص أردنيين ,ويعتبر ذلك قسما عظيما ,فيقول :

قسما بماحص والفحيص وبالطفيلة والثنية

وبمن شقيت بهن وهي بأهلها مثلي شقية

ليس الهدى وقفا على فئة الشيوخ الازهرية

إن الحياة لها قواعد غير متن الخزرجية

أما حبه لأصدقائه النوَّر لا يقل عن حبه لبلده فهم صفوة خلصائه, ومَجلىَ أحزانه ,في (خرابيشهم) يطيب له أن يقضي لياليه عندهم ,ويستمد وحيه الشعري . وكانوا يبادلونه بالحب حبا ,وبالاخلاص اخلاصا ,حتى أنه حينما مات وصفي نام صديقه (النوري الهبر) عند قبره ويشرب الخمر على ذكراه الى الصباح.

وحكاياته مع اصدقائه النوَّر طريفة ممتعة ومنها : إن فتاه نورَّية حسناء سيقت يوما الى المحكمة بتهمة السرقة. وكان مصطفى موجودا عند مثولها أمام القاضي ,فتطوع للدفاع عنها, فكان مما قاله في دفاعه: (أيها السادة أنظروا الى هذه الفتاة الواقفة أمامكم ,بل هذه الفتنة المنتصبة فيما بينكم.. وتأملوا عينيها النجلاوين ووجها الصبوح ,وقوامها الرشيق ,وسبائك شعرها الجميلة . إن كل ما فيها ينطق بأنها سارقة حقا ,وسارقة من نوع خطر جدا ..ولكنها, أيها السادة ,سارقة قلوب ,وليست سارقة جيوب !!) ثم مضى في دفاعه عنها حتى أفرج عنها فخرجت مسرورة راضية وفيها يقول مصطفى :

يا بنت ُ ! يا من أمرها لما تعاوجت استقام ْ

لولا الرغيف وفقر أهلك ِ واحتياجِك للطعام ْ

هل كنت ِ ترضين َ الحياة َ كذا ، وفي هذا المقام ْ ؟

وفي مرة أخرى كان مصطفى في مكان أسمه (وادي اليابس) فسمع إن حفلة أقيمت في مدينة رام الله –في الضفة الغربية –لأنتخاب ملكة جمال وكانت لجنة التحكيم مؤلفة من الشعراء ابراهيم طوقان ,وأبي سلمى, وجلال زريق . وقد أطلق على الفتاة الفائزة أسم (ميس رام الله) فأعجب مصطفى بالفكرة وأراد تطبيقها في مضارب النوَر في وادي اليابس ,فجمع شلة من أصدقائه ,وكان بينهم الشاعر جميل دياب ,وأحيوا سهرة عامرة ,وأنتخبوا حسناء نورية أطلقوا عليها مس وادي اليابس وقد نظم مصطفى في ذلك قصيدة يخاطب فيها الحسناء البدوية ,مشيرا الى أنه يعتزم طبع ديوانه وتسميته باسم عشيات وادي اليابس وقال :

يا أخت واد قد دعوتك باسمه وله نسبت تبركاً ديواني

قومي وقومك في الصغار وجهلهم معنى الحمية كفتا ميزان

وأَنا وأَنت علىْ أختلاف قبيلنا في عرف بيك وجيشه سيان

فادني كؤوسك إن بعض عزائنا فيها وفي هذا القوام الباني

أما أصدقائه: فكان كل أردني فقير محتاج هو من أخوانه وهو محاميهم ومدافع عنهم وما كانت الوظيفه عنده إلا وسيلة لخدمة هؤلاء كان يكثر المرابون ويكثر الفقراء الذين يستغلهم المرابون أبشع إستغلال حيث كان الفلاح يعيش في خوف دائم لتسديد ديونه عاما تلو العام ولقد كان مصطفى عند حسن ظنهم به,فقد كانت نفسه تثور لهذا الجشع ولم يكن مصطفى يبخل بماله على محتاج .

كان مصطفى في دائرة مأمور اجراء وكان صديقه الأستاذ احمد الظاهر مدعيا عاما .وجاء الهبرْ (صديقه من النورَ) مرة يقصده المدعي العام لحاجة ,فمنعه الجندي من الدخول عليه .فعاد الهبرْ الى مصطفى وأخبره بذلك فكتب مصطفى أبياتا من الشعر يخاطب المدعي العام ,ويلومه ,فحمله الهبرْ وعاد بها الى المدعي العام ,فسهل دخوله عليه وقضاء حاجته وقد أضاف مصطفى الى تلك الأبيات بعد ذلك أبياتا أخرى حتى أصبحت واحدة من أروع قصائده وفيها يقول :

يا مدعي عام اللواء وأنت من فهم القضية

الهبر جاءك للسلام فكيف تمنعه التحية ؟

ألأن كسوته ممزقة وهيئته زرية ؟؟

قد صده جنديك الفظ الغليظ بلا روية

وأبى عليه أن يراك فجاء ممتعضا إليه

فأسرع وكفَرْ- يا هداك الله

أما حبه للخمر فحسبنا مما نظم فيه الشعر ولست أريد أن أفيض في هذا المجال ,ولكن لا بد لي من ذكر إن شعر مصطفى مليء برائحة الخمر ,والتغزل بها ,وكان الكأس رفيقه في صحته ومرضه ,وكان يسخر من الأطباء اذا ينهونه عنه .

ويقول : قال الأطباء لا تشرب!فقلت لهم

الشرب لا الطب شافاني وعافاني

وكان مصطفى يفسر عكوفه على الخمر بأنه هروب من الواقع المر,ومن تحكم الأجنبي حينذاك ببلده وقومه ,ونقمه على كل من حوله وفي ذلك يقول:

سكر الدهر ، فقل لي : كيف أصحو

والنّدى يبخل ، والجود يشحّ

وأنا يا سيدي المفتي كما

قلت عنّي : حيث ينحو الحبّ أنحو

ومهما يكن من أمر ,فقد كان حب الخمر شيئا في دمه ,فلم يكن يستطيع أن يسلوها ولو عاش في الجنة بعيدا عن كوكس وبيك وكلوب ومن اليهم ممن كان يشكوا من تحكمهم ببلده وقومه ,فيقول مخاطبا كوكس:

لا تحسب الجرح فيمن لا يضج أسى يا كوكس! مندملاً فالضيـم نكاء

والحـق لا بد من إشـراق طلعتـه مهما استطالت على أهليه ظلماء

وقـوة الضعف إن جاشت مراجلها تنمرت نعجـة واستأسدت شـاء

أو يقول عن بيك مخاطبا حسناء وادي اليابس:

قومي وقومك في الصغار وجهلهم

معنى الحمية كفتا ميزان

وأَنا وأَنت علىْ أختلاف قبيلنا

في عرف بيك وجيشه سيان

أو يدعو كلوب بالعلجْ فيقول:

يا أخت (رمّ) كــيف (رمّ) .... وكيف حــال (بني عطية)

وبعد فما يزال مجال القول في مصطفى وشعره واسعا,وما زالت هناك نواح أخرى من شعره لم تبرز فيها الجد والهزل ,وفيها الطرافة والعبرة وفيها السياسة والدعابة ,وفيها الرقة والمتعة وكلها جديرة بأن نعرف أن هذا الشاعر الفذ الذي كان طرازا وحده وكان متفردا في حياته واسلوبه .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :