أزمة المناهج .. مادة الأخلاق أحد الحلول !
رجا طلب
10-10-2016 01:41 AM
يخطئ من يعتقد أن ظاهرة العنف الفكري والتطرف مصدره المنهاج الدراسي وبخاصة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، فالمنهاج الدراسي وان تضمن بعض ما يمكن أن يدفع الطالب نحو التطرف لا يمكن اعتباره «مصنعا» ومحفزا على السلوك الإرهابي.
في الواقع أن الأغلبية العظمي من طلاب المدارس «لا يكترثون» بمادة الدين والأغلبية منهم يدرسونها من باب «الواجب» دون ادني تأثر بها أو التزام بمضامينها، بل على العكس يعتبرونها المادة السهلة التى تُحصل لهم درجات إضافية تنقذهم من كسلهم الدراسي في مواد أخرى مثل المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء أو اللغة العربية التي لا علاقة لهذا الجيل بها أو بقواعدها أو بأدبها وهذه قضية بحد ذاتها، فطلاب هذا الجيل لا يعرفون التحدث بالفصحى ولا كتابة اللغة بصورة سليمة إملائيا وقواعديا، ويجهلون أدب اللغة من نثر ورواية وشعر والذي يعد من الناحية العملية سيرة الأمة وتاريخها وكما تقول القاعدة المعروفة «الشعر ديوان العرب».
مجابهة ظاهرة التطرف والغلو في المدارس «إن وجدت»، تتطلب تطوير المنظومة التعليمية كاملة وليس منهاج مادة الدين فقط، واقصد هنا خلق بيئة تعليمية كاملة حديثة وعصرية تبدأ بالعنصر الأهم ألا وهو المدرس الذي أثبتت العديد من الدراسات أن هذا المدرس قادر إن أراد على حرف العملية التعليمية والتربوية عن مسارها الصحيح وتوجيهها الوجهة الخاطئة والمنحرفة، فهو مؤثر بدرجة اكبر بكثير من المنهاج الأصم، فالمدرس قادر إن أراد أن « يلون « هذا المنهاج بالألوان التي يريدها، ومن هنا يجب التدقيق تماما في اختيار المدرس من جهة، وتوفير متطلباته المعيشية والوظيفية من جهة ثانية وذلك لتعظيم شعوره بالرضا وتوفير العيش الكريم له وهو أمر بكل أسف ليس متوفرا لدينا وبخاصة في المدارس الحكومية، ولهذا نجد أن البعض من المدرسين يمارسون «عملية التعليم» دون «روح» وبلا اكتراث بها أو شعور بالمسؤولية تجاهها أو يمارسها بالمناكفة وبالحقد على واقعه الطبقي أو الاجتماعي وفي الحالتين تكون مخرجات مثل هؤلاء المعلمين «فاشلة ومرعبة».
وتطوير المنظومة التعليمية والتربوية في مدارسنا ولكي تكون فاعلة ومتحضرة ومحصنة ضد فوضي الشارع وجهله تتطلب بعضا مما يلي:
أولا: ضرورة تضمين المنهاج مبادئ الديمقراطية وأهميتها في حياة الشعوب والتركيز على احترام الحريات العامة والحريات الشخصية وتقديس مبدأ الرأي والرأي الآخر وتعليم الطلاب ممارسته عمليا من خلال مؤتمرات أو ندوات تقام لهذا الغرض، فمثل هذا المنهاج هو المعادل الموضوعي للفكر الأحادي أو الفكر المنغلق ويساهم في تنوير الشباب وتعليمهم أن الحرية هي مثل الهواء والماء حق لكل إنسان.
ثانيا: من الواجب تطوير المناهج وبخاصة العلمية منها باتجاه التطبيق العملي الذي يساهم في زيادة التفكير الإبداعي لديهم ويطور من قدراتهم على فهم العلم وكيفية الاستفادة العملية منه، ومن شان ذلك تحفيز السلوك العلمي - العملي لدى الشباب مما يحصنهم لاحقا ضد الأفكار والنظريات القائمة على البدع والخرافات والأوهام.
ثالثا: من العناصر المهمة لتطوير النظام التعليمي التربوي الاهتمام بالرياضة والفن والموسيقي والمسرح، فهي مواد ضرورية لتحفيز الإبداع لدى الطلاب، فالإبداع هو نقيض التخلف والنمطية وتقديس الموروث وبخاصة السلبي منه، وقد ثبت علميا أن هذه المناهج وبخاصة إن كانت في مدارس مختلطة تساهم مساهمة كبيرة في إنتاج جيل من الطلاب بمنسوب متواضع جدا من العصبية والتطرف والعداء للآخر.
رابعا: لمجابهة التأثير السلبي والكبير على سلوك الطالب من قبل البيئة الأخرى خارج المدرسة سواء في الشارع أو في النادي الرياضي أو حتي في البيت فان تعليم مادة الأخلاق باتت ضرورة، وهنا أيضا لا اقصد التعليم التلقيني للأخلاق بل اقصد السلوك الأخلاقي وإيجاد برامج عملية تعلم الطالب ومن صغره كيف يعشق قيم التسامح والشراكة والتراحم والعطف وأيضا قيم المسؤولية بكل أشكالها، فكم مدرسة لدينا تُعلم طلابها الخروج مرة واحدة في الأسبوع لمدة ساعة مثلا لمشاركة عمال النظافة في تنظيف الشارع المحاذي للمدرسة أو تعليم الطلاب تنظيف الفصل يوميا قبل نهاية الدوام على غرار التجربة اليابانية، أو ضرورة زيارة والد الزميل المريض في المستشفي أو البيت وتقديم هدية له يُجمع ثمنها من طلاب ذلك الفصل وغير تلك الأفكار التي تعزز السلوك الأخلاقي الراقي؟
.. على الحكومة إعادة النظر بمسببات التطرف والغلو الفكري وتوفير جهد مبرمج لتطوير مجمل العملية التعليمية والتربوية ولا داعي لهدر الجهد في عملية غير مؤثرة هي «تعديل المناهج»!
الراي