الرصاصات التي أطلقت على «زميلنا» الكاتب ناهض حتر صباح أمس لم تستهدفه هو فقط وإنما إستهدفت أيضاً بالدرجة الأولى الأردن كوطن للأخوَّة والتعايش وكإستقرار وأستهدفت فرحة الأردنيين الذين إنفردوا بأنهم الوحيدون في هذه المنطقة الملتهبة الذين لديهم ترف إجراء إنتخابات برلمانية ديموقراطية إحتكموا خلالها إلى صناديق الإقتراع بينما العديد من الأشقاء في أكثر من دولة عربية يحتكمون إلى الصواريخ والمتفجرات والمدافع وإلى إستقواء بعضهم بـ»الأجنبي» الذي لديه حوافزه الخاصة و»أجنداته» التي لا علاقة لها بأهل هذه المنطقة الذين من المفترض أنهم أشقاء وإخوة وأبناء عمومة.
لا يمكن إلا أن يُعتَبَر إغتيال «زميلنا» ناهض حتر، الذي قد يختلف بعضنا مع مشاكساته ومع الكثير من أرائه السياسية، جريمة بشعة ومرفوضة دينياً وأخلاقياً وإنسانياً وسياسياً ولا يمكن إلاّ إعتبار القاتل أنه مجرم وأن ما قام به هو عمل إرهابي أساء أول ما أساء إلى الإسلام السمح المتسامح:»ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق» و»الحق» تقرره المحاكم الأردنية وليس إرهابي ربما أنَّ إحدى الجهات الحاقدة هي التي «جندته» ودفعته لإرتكاب هذه الجريمة التي ستُظْهر الأيام...والتحقيقات أن هدفها إشعال شرارة فتنة في هذا البلد الآمن وفي هذا الوطن الذي هو لكل أبنائه.
إنها ليست صدفة أن يرتكب هذا القاتل المجرم جريمته في هذه الفترة بالذات وبعد الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي عززت نظرة العالم الإيجابية لبلدنا «المملكة الأردنية الهاشمية « ولشعبنا، الشعب الأردني، الذي هو مضرب مثل في هذه المنطقة وفي أربع رياح الأرض وفي كل مكان على التسامح والتآخي بين كل مكوناته الإجتماعية والقومية والدينية.. إن الرصاصات المجرمة التي أطلقت على هذا الأردني حتى النخاع قد إستهدفت كل أردني من الشجرة والطرة في الشمال وحتى أمواج البحر الأحمر التي بقيت تتكسر ومنذ بدايات التاريخ عند أقدام العقبة التي كانت أول محطة لإنشاء المملكة الأردنية الهاشمية التي هي الخيمة التي يستظل بها الجميع.. ومن كل المنابت والأصول.
إنها رصاصات فتنة تلك التي أطلقها صباح أمس قاتل سيكون عقابه عسيرا «والسن بالسن والعين بالعين والجروح قصاص» ولعل ما لا يعرفه هذا المجرم ولا الذين أرسلوه أن المسلمين والمسيحيين في هذا البلد نسيج واحد وأنهم عائلة واحدة وأنهم عشائر وقبائل أصولها نفس الأصول ومنابتها المنابت نفسها وأن كل المحاولات التي بذلها المتآمرون والمشوهون دينياً وأخلاقياً وقومياً لدق أسافين بين هؤلاء الأخوة في الإنتماء إلى هذا الوطن قد فشلت كلها والمؤكد أن هذه المحاولة ستفشل سواءً كانت فردية أم أن التحقيقات ستثبت أن وراءها مؤامرة دنيئة تقف خلفها جهات معادية.
ربما أن كثيرين منا كانوا يختلفون مع ناهض حتر سياسياًّ لكنهم كانوا يرفضون أن يكون الرد عليه بغير القلم وبغير مواجهة الحجة بالحجة والكلمة بالكلمة.. ويقيناً أن ما فعله هذا المجرم القاتل أمام قصر العدل غريب على الأردنيين وعلى أخلاقهم وقيمهم وعلى عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم... وهذه هي مسيرتهم كصفحة ناصعة مفتوحة للجميع.
إن هذه الجريمة التي إستهدفت الأردن الوطن والأردنيين كلهم بمقدار إستهدافها لهذا الأردني، الذي لا يجوز الإحتكام لغير القضاء ولغير الكلمة مقابل الكلمة والقلم مقابل القلم ونقطة الحبر مقابل نقطة الحبر لحسم أي خلاف معه، يجب أن تدفعنا إلى وقفة مع الذات وبلدنا مزنر بالنيران من كل جانب ويجب أن نواجهها بالمزيد من التماسك وبمزيد من الوحدة وبمزيد من الإلتصاق بتراب هذا الوطن المقدس.. إنَّ الرد على هذا القاتل هو بتماسكنا وهو بوحدتنا وهو أن نعلن بأصوات مرتفعة أن ناهض حتر هو إبننا كلنا وهو إبن الأردنيين كلهم المسلمون قبل المسيحيين.. و»الدين لله والوطن والجميع» .
الراي