الخطاطُ يحدّدُ الشّعارات الانتخابيّة
18-09-2016 01:41 PM
أيامٌ قليلةٌ تفصلنا عن يوم التّصويت أو العرس الدوريّ الديموقراطيّ كما يحلو للصّحافة أن تسمّيه. وبانتهاء مراسم العرس الجماعيّ الكبير وما رافقه من تنظيم مهرجانات خطابية هادفه وغير هادفه، وحلقات الدّبكة والسّحجة وإطلاق العيارات الناريّة، وترتيل تراويد ليلة الحنّاء التي تسبق ليلة العرس المؤقّت بالعشرين من هذا الشّهر، ينتهي مفعول الشّعارات والخُطب، واللافتات التي انتشرت على الطُرق والميادين وحجبت الرؤية وإشارات ممنوع الوقوف، بعضها صمد في وجه الرّيح والأذى وبعضها تهاوى بفعل مخالب التّمزيق ونكايات المُنافسة الانتخابيّة غير المشروعة.
واجبٌ وليس تضحيةً أن يتمحّص الناخبون في صور وشعارات المرشّحين حتى يتلمّس طريقه في زحمة الشّعارات العادية أو الطريفة والبرامج الانتخابيّة إن وجدت، ويمارس حقّه بالانتخاب، إلاّ إذا كان قد باع هذا الحق واختار مرشّحين في ليلة الحنّاء التي تسبق العُرس المُجلّل بالنّار والبارود.
صور المرشحين لمّاعةً بالألوان، والجميع مبتسمون وبكامل أناقتهم بعد أن جُهد مخرجي الفوتوغرافيا والتّصوير والتّسويق كل جهدهم لإظهار المُرشّح بصورة الوقور المُتّزن المُبتسم الذي لا يبغي سوى خدمة وطنه ومرضاة الله. هناك من شذّ عن هذه القاعدة قاعدة التّصوير استعاض عن صورته ببوكيه ورد، معظم الصّور لا تخلو من نرجسيّةٍ فاقعةٍ بالألوان، وبعضهم ظهر وهو يحتسي الشّاي، وآخر ظهر بنظارات سوداء وبدلة سموكن من أرقى الماركات، وبعض قادة القوائم ظهر بصورةٍ كبيرةٍ على رأس صور أصغر حجما ً تم حشوها بعنايةٍ فائقةٍ على نفس اللوحة على أساس أنّه المموّل الرئيس للحملة الانتخابيّة، أمّا الشّعارات فقد تراوحت ما بين مطالب خدميّة عامة وأخرى متعلّقة بالهمّ العام كمحاربة البطالة والفقر ورفضاً للمحسوبية والواسطة والمُناداة بدولة القانون والمؤسسات، والعزّم على التغيرـ وهذه الشّعارات غالباً ما تبنّاها نخبةٌ من رجال الفكر والأحزاب، وهناك شعارات شطحت بعيداً رغم شعبيتها من أمثالٍ...."معاً نحو القدس"، "إيصال الدين الى اصحاب القرار"، "نحو تحرير الأرض والإنسان". ومن استعصى عليه الشّعار كما حصل في احدى المحافظات لّجاء إلى الخطاط أبو علي، وهذا الأخير استعان بجاره المعلّم المتقاعد الذي زوده بحوالي ثلاثون شعاراً تناسب كل الأذواق.
وككل عرس لا بد من سقطات أو نهفاتٍ أو أحداثٍ غير مألوفة... فهناك من ادّعى بقداسة المُدن التي يترشّح عنها كقصة الشّجرة المقدّسة التي نام تحت ظلالها الرّسول عليه الصلاة والسّلام، والتي لم نسمع بها من قبل. وبهذا الخصوص فإنّنا ندعو وزارة الثّقافة أو دائرة الآثار العامة للاهتمام بالشجرة واستملاك الأرض المزروعة عليها والعمل على إدراجها في قائمة التّراث العالميّ. أمّا أحد المرشّحين فعندما سُئل على التلفزيون وعلى مرمى بصرالمشاهدين ما رأيك بالوضع السياسيّ .... انتفض وقال "أنا ما إلي دخل بالسّياسة هذا الأمر متروك لجلالة الملك" وأغلب الظن أنّه من قائمة نعم. ومرشّحةٌ أخرى ادّعت أنّها حجّت ثلاث مرات واستجدت النّاخبين بقولها "سايق عليكم الله تنتخبوني".
الانتخابات هي استحقاقٌ دستوريٌّ لا بدّ منه، والتّصويت هو واجبٌ قانونيٌّ، نسأل الله أن يوفّق (129) نائباً وبوكيه ورد للوصول إلى البرلمان، وأن يعوّضهم خيراً عمّا أسلفوا ودفعوا إلى الخطّاطين وبائعي الأقمشة والمشروبات الغازية، وشركات التّصميم والتّصوير ومعدي الكنافة، وناصبي الخيام ومؤجري الكراسي، وسائقي باصات الكوستر. أمّا اللّذين دفعوا لشراء الأصوات فنسأل الله وبكرامة شجرة السُّخنة أن يُشتّت شملهم ويفرّق أمرهم ويأخذهم للحساب أخذ عزيز مقتدر، ولا يفوتنا أن ندعوا أن ينتهي هذا العُرس على خير وبدون إطلاق نار أو إحراق إطارات أو تبادل اتهامات وقديماً كانت جداتنا يقلن "أميت بدنا نخلص من هالدّخنة". وبالمناسبة لم يكنّ يقصدن عوادم السّيارات أو التّشوه البصريّ الذي تغرق به عمان وباقي المدن في هذه الأيام.