ما الذي تعنيه الشراكة مع الأردن بالنسبة إلى السعودية؟
09-09-2016 01:54 PM
عمون - أورد مركز ستراتفور الاستخباراتى الأميركي للتنبؤ الاستراتيجي تحليلاً للعلاقة الأردنية السعودية، وبخاصة في المجال الاستثماري، جاء فيه:
على الرغم من تشدد السعودية إزاء القيم الإسلامية أكثر مما هو عليه الأمر في الأردن، إلا أن ذلك لم يمنع وجود مصالح مشتركة بينهما. فالسعودية تريد الحفاظ على تحالف عربي سني قوي، سياسيا وعسكريا، مع الدول العربية السنية مثل الأردن لدعم استقرار المنطقة لصالحها، على حساب الصعود الشيعي لإيران، المنافس المقابل على زعامة المنطقة.
وتحافظ السعودية على حلفائها بعمل استثمارات داخل الدول الشريكة لتقويتها. وحيث تفتقد الأردن للموارد الطبيعية بالإضافة لانزعاجها من الصراعات على حدودها، فإنها توافق على جزء من تلك الاستثمارات بإرادتها، والجزء الآخر تضطر إليه بسبب الحاجة والضرورة.
تحليل
يعدّ مجلس التعاون الخليجي رمزًا للتكتل السني داخل الشرق الأوسط. والسعودية هي العضو الأقوى في المجموعة، وتقود خط السياسة الخارجية للمجلس. وتتطلب الضرورات الإقليمية للمجلس أن تتوافق باقي الدول الأعضاء مع سياسة المملكة العربية السعودية. وبينما تعاني الأردن من التهديدات الإقليمية من قبل سوريا والعراق، لذا فإنها تعد حليفًا حيويًا للمجلس. ويتم ضمان ولائها عن طريق المنح والقروض والاستثمارات وشبكات نقل الطاقة المترابطة، التي بدونها فإنّ الأردن ستكون أضعف بكثير.
ويظهر ذلك في مذكرة التعاون الأخيرة التي تم توقيعها بين الأردن ومجلس التعاون الخليجي. ووفقًا للاتفاقية، سوف تتدفق الكهرباء التي تنتجها دول المجلس عبر السعودية إلى الأردن لتغذية شبكة الأردن الكهربائية في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة بحلول عام 2020.
ولم تقتصر الفوائد العائدة على الأردن من الاتفاقية على قطاع الطاقة فقط، فضمان الحصول على الكهرباء يعمل على زيادة الاستقرار الداخلي. وباستثمارها في قطاع الطاقة الأردني، فإنّ السعودية تشتري لنفسها نفوذًا إقليميًا من خلال تقوية شبكة حلفائها.
إنها أكثر من مجرد حاجة كامنة
إنّ وضع الكهرباء في الأردن سيئ للغاية، فهي تستورد أكثر من 95% من احتياجاتها، وهو ما يسبب لها مشاكل سياسية واجتماعية. بالإضافة إلى أن استخدامها الحالي للكهرباء البالغ 15.2 تيراوات في الساعة، من المتوقع أن يزيد سنويًا بنسبة 6.5%. وتضاعف هذه الزيادة الطلب على الكهرباء خلال 11 عامًا، وسعة تخزين الكهرباء الحالية في الأردن والبالغة 3600 ميجاوات، لن تكون كافية على المدى القريب. وتعمل عمّان بحكم إدراكها لهذه الحقيقة، على تنويع مصادرها من الطاقة، بالاستثمار في الطاقة المتجددة والطاقة النووية، وتعمل على التغلب على مشكلة السعة التخزينية بتوسيع شبكتها بدمجها مباشرة مع شبكة مجلس التعاون الخليجي. وهناك خطط جارية بالفعل للعمل على توصيل شبكتها بشبكة السعودية مباشرةً.
وحاليًا، تشكل الطاقة المتجددة ما نسبته 3 إلى 4% من إنتاج الكهرباء الداخلي. وتهدف الأردن لزيادة هذه النسبة لتصل إلى 20% بحلول عام 2020، من خلال مشروعات جديدة مثل مزرعة الرياح في الطفيلة والحدائق الشمية الكبيرة. ولا يمكن لشبكة الأردن الحالية دعم هدف الحكومة المتفائل بالوصول إلى إنتاج 1000 ميجاوات من الطاقة المتجددة بحلول 2018، حيث من الممكن التسبب باختناقات في التوزيع إذا لم يتم توسعة الشبكة لتواكب التوسع في الإنتاج.
أما بالحديث عن الطاقة النووية، تسعى لجنة استراتيجية الطاقة النووية الأردنية لتوفير 30% من احتياجات الكهرباء بالبلاد بحلول عام 2030، وتصدير الطاقة كذلك. وفي مارس/ أذار عام 2015، وقعت عمّان اتفاقية بـ 10 مليار دولار تسمح من خلالها لروسيا ببناء مفاعلين نوويين بطاقة 1000 ميجاوات لكل منها داخل الأردن. وتخطط لتزويد المفاعلات بالوقود عن طريق مخزونها من اليورانيوم والفوسفات، والذي يعادل 1% من المخزون العالمي. وبالرغم من أن هذه النسبة تبدو ضئيلة، إلا أنها في الواقع تكفي احتياجات الكهرباء الداخلية للأردن لمدة 90 عامًا، وتسعى الأردن بالفعل لمعالجة نقاط الضعف الأخرى للمشروع. ولأن روسيا لا يمكن الاعتماد عليها بشكل تام، أبرمت الأردن اتفاقًا مع الصين للمساعدة في إنشاء المفاعلين. ومرة أخرى تحتاج الأردن لتوسعة شبكتها لتتحمل الكمية الجديدة من الطاقة الناتجة عن المولد النووي.
حدود الاتصال
ترتبط شبكة الكهرباء بالأردن وتتزامن بالفعل مع شبكتي سوريا ومصر، حيث بدآ تبادل الكهرباء للدولتين مع الأردن منذ السبعينات والتسعينات، على التوالي. وفي التسعينات، وسعت ثمان دول هي مصر و(إسرائيل) والأردن ولبنان وليبيا والأراضي الفلسطينية وسوريا وتركيا من ترابط شبكاتها لتكوين شبكة كهرباء إقليمية. وعلى الرغم من ذلك، فلم تستطع كل الدول مزامنة شبكتها داخل النظام بشكل كامل. وفقط كانت شبكات الطاقة في الأردن وسوريا ومصر ولييا متزامنة بشكل كامل، وهو ما أدى من تحسين التشغيل والكفاءة وقلل من استهلاك الوقود وتكاليف الصيانة.
وعلى الرغم من هذا الترابط والمزامنة، ظلت كمية الكهرباء المتبادلة متواضعة للغاية. وبلغت الكهرباء المتبادلة بين مصر والأردن 2.5% من استهلاك الأردن. وبلغت نسبتها بين سوريا والأردن 1%. ووفقًا للبنك الدولي، فقد كانت العوامل التي تمنع من تبادل كميات أكبر من الكهرباء، تعود إلى محدودية هامش التوليد، وغياب وجود إطار عمل واضح لتبادل الكهرباء، والضعف المؤسسي الناتج عن ضعف الأدوات والمعلومات، وعدم وجود حوافز لتشجيع التبادل على المستويين الوطني والإقليمي. ورغم مشاريع التنويع الحالية في الأردن، والتبادل المحدود للطاقة إقليميًا، يظل الطلب المحلي يتخطى الإنتاج، ولذلك كانت الصفقة المزمعة مع دول مجلس التعاون الخليجي.
التحول إلى مجلس التعاون الخليجي
بدأت دول مجلس التعاون تبادل الكهرباء منذ عام 2011 بعد دمج شبكات الطاقة. ولكن يظل التبادل في حدوده الدنيا، حيث لم يكتمل الدمج إلا مؤخرًا، وتشير الإحصاءات أن التبادل يزداد سنويًا. والسعودية هي محطة توليد الطاقة الرئيسية بشكل واضح لدول المجلس. فالسعودية قد أنتجت ما نسبته 76% من مخزون كهرباء المنطقة، وقامت بتوليد 338 تيراوات من الكهرباء في الساعة في 2015، مقارنة بالإمارات ثاني أكبر المنتجين والتي ولدت 116 تيراوات في الساعة. ويبلغ مخزن السعودية من الكهرباء ثلاثة أمثال الاستهلاك الأجمالي للأردن.
وعلى الرغم من أن الأمر يبدو بسيطًا بإمكانية مشاركة مجلس التعاون للكهرباء مع الأردن بوجود هذا الفائض، إلا أنّ توافق الشبكة من الممكن أن يحد من فعالية تبادل الكهرباء. وحتى الأن فليس من المؤكد مدى قوة اتصال الشبكة، إلا أنه الواضح أن الاتصال لن يكون متينًا. وسوف يتم دمج شبكات الطاقة، لكن لن يتم مزامنتها، لأنها تشتغل على ترددات مختلفة تمنع التزامن. والأكثر من ذلك، فإنّ الشبكات المترابطة غالبًا ما تكون معزولة عن الشبكات الوطنية، وهو ما يعني أن الكهرباء المنقولة من شبكة الكهرباء المنفصلة لمجلس التعاون الخليجي غالبًا ما ستذهب إلى منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة فقط، ولن تنقل إلى داخل الأردن.
على أي شيء تحصل السعودية في المقابل؟
بغض النظر عن مدى قوة ترابط شبكة الطاقة، فإن من مصلحة عمّان أن ترتبط بشبكة المجلس لتكون خطوة تجاه تنويع وتأمين إمدادات الطاقة للبلاد. وبالنسبة للسعودية، يعود عليها النفع من تلك الخطوة تبعًا لأهدافها السياسية الأوسع وأهدافها الإقليمية. فالأردن تلعب دورًا كبيرًا في استراتيجية الرياض لأنها تمثل حاجز صد قوي بسبب رغبتها المشتركة بالحد من نفوذ إيران والحفاظ على الوضع الراهن للسنة.
بالإضافة إلى ذلك، يدعم الترابط مبادرة السعودية «رؤية 2030»، والتي تضع خطة استراتيجية للمملكة لتوسعة اقتصادها وإضافة التنوع لقطاع الطاقة والحد من الاعتماد على النفط. وتم مناقشة الكثير من ذلك خلال اجتماع مجلس التنسيق السعودي الأردني في أبريل/ نيسان. تخطط الرياض لمساعدة عمّان في تطوير إنشاءات قطاع الطاقة النووية وفي التنقيب عن اليورانيوم مقابل تبادل الطاقة والحصول على وصول إلى احتياطيات اليورانيوم. ومع دمج هذه الطاقة النووية مع قطاع المصادر المتجددة للطاقة، يفترض بالأردن أن تصبح مصدرًا صافيًا للطاقة. وتريد الرياض هذه الطاقة، إذا أملت في تنويع فعال.
من المبكر جدًا الحكم إذا ما كانت خطط تنويع الطاقة في عمّان وتوسعة شبكتها سيحسن من وضع الكهرباء في البلاد. فالتمويل غير المضمون والمحدودية في الإمكانيات، تقيد تنمية قطاعي الطاقة النووية والمتجددة. والأكثر من ذلك، ربما لا تمكن خطوة دمج شبكة الطاقة مع السعودية من توفير الكهرباء للغالبية العظمى من سكان الأردن، والتي لا تعيش في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. لذا، يتعين على الأردن أن تحافظ على علاقات إيجابية مع العديد من جيرانها الإقليميين لضمان الواردات من الموارد الطبيعية والاحتياجات الأخرى للدولة. لذلك، فليس واضحًا كم ستستفيد الأردن من خطط الشبكة. ولكن السعودية على الجانب الآخر لديها الكثير لتحصل عليه مقابل هذا الاستثمار ومن العديد من التعاملات مع الحلفاء الآخرين.
ستراتفور