الاستمطار بين النظرية والتطبيق
07-09-2016 10:53 AM
* م. فهيد طعيمه/ مساعد مدير عام الأرصاد الجوية سابقا
الاستمطار كنظرية علمية موجودة منذ زمن طويل، ومنظمة الارصاد الجوية العالمية تقر بوجود مشاريع إستمطار في العديد من الدول، لكنها لغاية هذا التاريخ لم تقدم توصية إيجابية للمضي قدما لمثل هكذا مشاريع، وكل ما تستطيع تقديمه هو سؤال مختصين في هذا المجال، لا تتحمل المنظمة أي تبعات عن إجابة المختصين.
في معظم الحالات فشل التطبيق في إثبات صحة النظرية ، ودول عديدة ومنها الاردن فشلت في الهدف من الاستمطار ألا وهو زيادة الهطول المطري على أرض الواقع بشهادة المعلومات المناخية.كذلك فإن تجارب الكيان الاسرائيلي التي إمتدت إلى أكثر من خمسين سنة رغم توفر الامكانات العلمية والمالية فشلت هي أيضا بإثبات صحة النظرية وإلاقرار بذلك مثبت ومنشور.سقت هذين المثالين لتشابه الظروف المناخية في كلا المنطقتين.
لقد أسهبت طويلا في بيان العديد من الدراسات والابحاث من معاهد وجامعات رسمية تؤكد فشل أو عدم اليقين من تجارب الاستمطار في أماكن عديد من العالم ، لا داعي لاعادة ذكرها كونها متوفرة على شبكة الانترنت على عدة مواقع.
ما أود طرحه في هذا المقال هل النظرية طبقت في تجربة الاستمطار التي جرت في بدايات العام الحالي جرت على أصولها. إن التجربة التي قامت بها دائرة الارصاد الجوية في منتصف الثمانينات كانت أكثر دقة في التطبيق مقارنة بما جرى حاليا، فتوفر الكفاءات والاجهزة والمعدات ساهم بالمضي قدما بالتجربة حتى ولو لم تتحقق النتجة المرجوة.
بإستعراض الشروط والمتطلبات الواجب توفرها كما يجري في التجربة التي تقوم بها الدائرة حاليا نجد أننا بعيدين جدا عن أدنى المتطلبات.
فالردار الجوي الخاص لمثل هذا المشروع غير متوفر في الوقت الحالي، وهو ركن اساسي في مثل هذه المشاريع، ومن خلاله يتم الكشف عن أماكن الغيوم الممطرة ،وأخذ القياسات المهمة مثل سمك الغيمة ودرجة حرارتها وتركيز بخار الماء ونسبة البلورات الثلجية وغيرها من القياسات. ما يرتبط بالرادار وجوب توفر الكادر الفني المدرب على التشغيل وتحليل الصور والبيانات التي يجمعها الرادار.هذا سؤال موجه إلى القائمين على المشروع حول توفر هذا الشرط.
الركن الاساسي الثاني الواجب توفره هو طائرة الاستمطار، فطائرة الاستمطار لها تصميم خاص بحيث تحمل على متنها أجهزة مخصصة لقياس عناصر المختلفة كالتي يقيسها الردار، وأهمية هذه الاجهزة تأتي من كونها تقيس تلك العناصر بدقة من داخل الغيمة بخلاف الردار الذي يعطي قراءات تقديرية، فكلا الركنين مكملان لبعضهما البعض، وبناءا على قرائتيهما يتم إتخاذ القرار من قبل من يقوم بدراسة وتحليل تلك القراءات والبيانات بحقن السحب أم لا، فالعملية تحتاج إلى دراسة مسبقة لفيزياء الغيوم، وبغير ذلك فهو تنجيم غير مستند على أساس علمي.
الامر المهم بالنسبة لطائرة الاستمطار هو الجهوزية التامة في أي وقت وأية ساعة ، أي الاستعداد للاقلاع فورا حين يطلب منها ذلك، أما شرط الابلاغ المسبق بحجة التحضير للقيام بمهمة إستمطار قبل يوم أو يومين أو أكثر فذلك غير نافع. والسؤال مجددا هل هذا متحقق؟
الركن الثالث المهم والواجب توفره هو وجوب إيجاد منطقة محايدة لها نفس الظروف المناخية بحيث لا يتم بها حقن للسحب لمقارنتها مع المناطق التي يتم بها الحقن لمعرفة أثر الاستمطار على زيادة الهطول المطري.إن هذا لشرط في غاية الاهمية كونه من الصعوبة بمكان التفريق بين المطر الهاطل بشكل طبيعي وبين المطر الهاطل بسبب الاستمطار .والتساؤل أيضا هل هذا الشرط متحقق؟
الركن الرابع المهم هو إختيار المواد الملائمة لغيومنا التي معظمها من الغيوم الباردة، فلا يوجد دراسة علمية واحدة لتحديد أي المواد المستخدمة هي التي أنسب لحالتنا، إضافة الى مقدار الكمية الواجب نثرها
جميع الاركان الواردة أعلاه تتطلب وجود فريق متكامل ومتجانس من مختلف التخصصات الفنية والعملية لدراسة العملية من كافة جوانبها.أما القيام بالتجربة بالوضع الحالي حيث لا وجود لرادار ولا لطائرة مجهزة أفضل تجهيز ولا لمنطقة محايدة ولا لفريق مكتمل التأهيل ،فهذا يعد مغامرة غير محسوبة لن يكون نتيجتها سوى الخسران في الجهد والمال.
ارجو أن لا يفهم من كلامي أنه إن توفرت الظروف والامكانات الواردة أعلاه يعني أن لدينا مشروع ناجح ،هذا غير صحيح إطلاقا، فدول في أماكن عدة من العالم توفر لها أفضل الظروف ولم تحصل على النتيجة المرجوة .
حمى الله بلدنا بقيادة جلالة مليكنا المعظم حفظه الله ورعاه.