من قرية صويلح الى 39000 ألف قدم
كابتن اسامة شقمان
11-08-2016 02:29 PM
علوم جديدة أدرسها لأول مرة الكيمياء والفيزياء, وتشعبت الرياضيات إلى أقسام (كالجبر والمثلثات والهندسة التحليلية والتفاضل والتكامل) كانت كلها مقبولة وكنت من المميزين في هذا المواد و لكن مادة اللغة العربية والتربية الاسلاميه فاني ذقت معهما الأمرين, واستعصت علي ولم تكن لدي الرغبة على الإطلاق في فهمها, ألقي باللوم على طاقم التدريس فقد لهم الدور الأكبر في عدم رغبتي في فهم هذه المواد.
الكيمياء, الفيزياء, الرياضيات, الجبر, المثلثات والتفاضل والتكامل, كنت من المميزين, ولم أكن أبذل أي مجهود في المواد العلمية, خرجت بمعلومة مفادها أن مدرسين المواد العلمية لهم فضل تحبيبي المواد العلمية والتي ساهمت في تغيير مسار حياتي الأكاديمية والعملية للأفضل, والعكس صحيح, فان مدرسي اللغة العربية والتربية الاسلاميه يتحملون وزر ضعفي في هذه المواد بسبب أسلوبهم غير السليم في التدريس, بعض الزملاء في المرحلة الثانوية أشهد لهم بالذكاء والفطنة, ولم يكملوا تعليمهم بسبب طريقه التدريس والمدرسين, ولكنهم استطاعوا ان يشقوا طريقهم بجدارة في الحياة العملية وأصبحوا من كبار التجار وأصحاب المصانع, أن مسألة إكمال التعليم مرتبط بظروف من بينها الذكاء والمعلم, وأعرف العديد من الخريجين من الجامعات, بان الصدفة فقط والحظ هما ما جعلتهم يكملون تعليمهم ليس إلا, أكملت الثانوية العامة بخيرها وشرها.
وأنا صغير، وعندما كانت تذهب والدتي الى النوم باكرا على عادتها كان والدي يطلب مني ان اذهب الى المطبخ لتحضير شيء ما للسهرة " أعمللنا شيء" كان يقول لي: ففي ذلك الوقت كان هناك فقط قناتان التلفزيون الاردني والسوري كما هو معروف في ذاك الوقت كان البث ابيض واسود كنت في عمر العشر سنوات وأخواتي البنات كانوا اصغر مني.
كنت أقوم بتحضير صينية مدورة عليها أشياء كثيرة ولكن الذي كان يتكرر عليها والضيف الدائم عليها باستمرار هو قلاية البندورة اذ كنت متميزا في إعداد هذا الطبق الشعبي الذي يعرفه كل الأردنيون وربما العرب اذ ان بلادنا تشتهر بزراعة هذا النوع من الخضروات ، واعتقد ان أبنائي اكتسبوا مني هذا الهواية والشغف في الطبخ باستثناء الابن البكر رائد ولا تفسير عندي لذاك يحضرني الآن وبالعودة الى قلاية البندورة المميزة والتي لي في طريقة مميزة في تحضيرها وفق فن خاص يجهله الكثيرون من الأصدقاء والعائلة الذين يطلبونها بشكل خاص ، كما وأتقن طبخ المنسف وهذا بشهادة والدي رحمه الله.
صدفة خير من ألف ميعاد، كنت أنا وصديقي في خارجين من فندق خمسة نجوم في مدينة ابو ظبي وكان ذلك أثناء عملي مع طيران الخليج واستوقفتنا فتاتين جميلتين وطلبوا في أدب جماً ان يتحدثوا لنا حول أمر ترويجي يقوم به الفندق وهو مسابقة للطبخ بين متسابقين هواة من مهن متعددة .. وعندما عرفوا أننا طيارين بدت على ملامحهما السعادة في أنهما وجدا شخصين من ذوي المهن التي لا يقابل أصحابها باستمرار .. اعتذر زميلي عن المشاركة، وأعجبني الامر وبادرت في الاشتراك وبذلك أصبحت اول شخص يشترك في المسابقة مهنته طيار ، في هذه المسابقة، أخبرتهما انني طوال عمري وأنا أمارس الطبخ بل وإنني أجيد الطهو بشكل ممتاز، وبعد عشرة أيام تلقيت مكالمة هاتفية من القائمين على المسابقة يخبرونني انني احد الأشخاص الذين تم اختيارهم للمشاركة وإنني الطيار او الكابتن الطيار الوحيد الذي تقدم للمسابقة وربما هي المرة الاولى التي يتقدم شخص في مهنة كابتن طيار لهذه المسابقة ويبدو لي ان هذا الامر ما شجع القائمين على المسابقة على اختياري في المسابقة التي حدد لها يوم السادس عشر من شهر رمضان المبارك.
رتبت أموري وجهزت نفسي وارتديت ملابس بسيطة واخترت قطعة قماش صغيرة (شريطة) و سكاكين عدد اثنتين وتوجهت الى مكان إقامة المسابقة التي كان يراس لجنة التحكيم فيها شيف سويسري وآخر مصري وآخر لبناني ، كان عدد المتسابقين اثني عشرة متسابقا من مهن مختلفة تبينت اختصاصاتهم المختلفة فمنهم من كان طبيب اختصاص قلب وآخر أخصائي باطني ومهندس بترول وآخرون في مهن تسويق ومبيعاتها وبحار، وكان علينا جميعا كمتسابقين ان نختار طبخة او أكلة معينة ونعدها أمام الحكام الثلاثة الذين سيقررون من صاحب المركز الاول والثاني والثالث من جميع المشاركين في المسابقة الذين كانوا يختلفون فيما بينهم حتى في كسب معيشتهم من خلال اختلاف مهنهم ايضا.
كان ترتيبي بين المتسابقين السابع وليس هذا ما كان لافتا أثناء بدء الاستعدادات لتصوير البرنامج او المسابقة بل ما كان لافتا للجنة التحكيم خاصة هو ارتداء المتسابقين الآخرين جميعهم بدلات رسمية وربطات عنق وهذا ما فتح شهية الحكام على التعليق عليهم مقارنة بزميلهم السابع والذي هو أنا الذي يرتدي ملابس عملية بسيطة تنبأ عن جاهزية عالية لدي وخاصة لدى ملاحظتهم انني أحضرت سكاكيني الخاصة بي.
في مكان إقامة المسابقة خصص لكل متسابق مكان معين من اجل إعداد الطبخة او الطبق الذي يختاره وكان في مكان آخر في مقابلنا جميع المتسابقين تماما زاوية مخصصة يتوفر بها المكونات الأساسية من اللحوم والخضار بحيث ان المتسابق يجب ان ياخذ مقدار معين للطبق الذي يريد إعداده بحيث تكون المقادير مناسبة للطبق المعد ولا تتجاوزه وبحيث يتم الاستفادة من جميع المكونات التي اختارها المتسابق في الطبق ولا يترك شيئا أخذه ولم يستفيد منه في إعداد الطبق الذي اختاره والا يتم خصم ذلك من درجاته.
كانت مدة المسابقة نصف ساعة، ما ان دق الجرس معلنا بدا المسابقة حتى بدا المتسابقون جميعهم يهرعون الى ركن الخضار واللحوم بسرعة وبطريقة فيها نوع من العجالة والتسرع استرعت انتباه المعلقين والحضور من العائلات الذين لاحظوا تهافت جميع المتسابقين الى انتقاء مكونات أطباقهم من اللحوم والخضار بطريقة تنم عن تسرع وقلة تخطيط لما يريدون إعداده.
وهذا التهافت من زملائي المتسابقين ، حول أنظار الجميع الى المتسابق السابع الذي هو أنا الذي اظهر رباطة جأش وصبر وهدوء انعكس على أدائي اذ قمت بتشغيل الغاز وذهبت بهدوء وأحضرت الثوم والبصل الخضر وحبة ليمون وشوية بقدونس على عكس مكونات زملائي الكثيرة والتي انتشرت من حولي وعملت الخلطة وفق ما أريد وبدأت بتحضير الطبق الرئيسي الذي كان عبارة عن سمك فيليه ووضعته في صحن جذاب اخترته من بين صحون مختلفة لفت انتباهي شكله المربع وانتهيت من إعداد الطبق قبل ستة دقائق من نهاية المسابقة وهذا ما جعل الحكام يأتون الي مباشرة لكوني أنهيت إعداد طبقي قبل الجميع.
شاهد الحكام التقديم وطريقة العرض ونظافة مكان إعداد الطبق ثم بدأوا في التذوق من طبقي الذي أعددته وكذلك الامر حدث مع زملائي المتسابقين .. ثم أعلنوا النتائج وكنت الأول كانت الجائزة الاولى عبارة عن كتاب يحتوي على ألف وصفة طبخ من أسرار الطبخ المعتمدة لدى الكثير من الفنادق المنتشرة وشعار الفندق الذي هو عبارة عن تمثال على شيف.
وتفسيري لحصولي على المركز الاول وعلى درجة عالية لأنني أخذت جميع المقادير المناسبة للطبق استعملتها جميعها بعكس الزملاء الآخرين, بدايات مع الطبخ صاحبتني منذ ذهابي الى امريكا كطالب في عام 1975 حيث قام احد أقاربي من بعيد بتأمين عمل لي عند صديق له سوري الجنسية في إحدى محطات البنزين وكان أمام هذه المحطة في الجهة المقابلة مطعم من سلسة مطاعم التي تستطيع ان تدخل وتطلب قائمة الطعام المعتمدة وتتناول ما تريد من طعام.
نهاية الجزء السادس...