النظام السوري يُهدد الأردن نيابة عن إيران
14-02-2016 04:57 AM
د.نبيل العتوم ..
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية ..
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية..
عمون - تداول الإعلام الإيراني معلومات مفادها أن النظام السوري قد أبلغ الأردن بشكل رسمي ، بأنه سيقوم بقصف قواعد ومطارات عسكرية أردنية في حال استقبلت طائرات ووحدات عسكرية سعودية أو عربية أو حتى أجنبية في حال الإعتداء على الأراضي السورية عبر المنطقة الجنوبية
و بطريقة متزامنة ولافتة وجهت طهران وتنظيم داعش تحذيرات مماثلة متوعدين باستهدافه ، إلى جانب ذلك تصدر الولايات المتحدة الأميركية تحذيرات من احتمالية استهداف داعش للأمن الأردني ، إلى جانب ذلك دخلت إسرائيل على الخط ، وعبرت عن مخاوفها من خلال مضيها ببناء جدارها العازل مع الأردن .
ما مغزى هذه التصريحات ودلالات ما يجري؟ وهل تشير فعلاً إلى أن الأردن يُواجه اليوم أكثر من أي وقت مضى “تهديدا حقيقيا باستهداف عسكري من جانب سوريا وإيران أو عمليات إرهابية من قبل تنظيم داعش أحد أدوات النظام السوري والإيراني وكل من له صلة به؟ وهل لدى أميركا وإسرائيل معلومات بهذا الاتجاه ؟ . حتى نفهم ما يحدث ضمن سياقه الطبيعي ، ونتمكن من بناء مسارات متوازية ؛ نجد أن المقاربة الدولية وبالذات أميركا ، تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية إزاء ما جرى ويجري ؛ نلاحظ أن الولايات المتحدة تبنت استراتيجية قائمة على تحجيم قدرات داعش وليس إلى تدميرها لغاية الآن، وهذا يثير كثيراً من الغموض والالتباس ، خصوصاً بعد تصريحات وزير خارجية فرنسا المستقيل فابيوس أن هناك تناقضاً كبيراً بين سياسة أميركا المعلنة تجاه الأزمة السورية ، وبين ما يجري وراء الكواليس . أما الجانب الملتبس فهو علاقة إسرائيل بداعش التي يكتنفها الغموض خاصة أن هناك احتمالات تضع إسرائيل على قائمة المتهمين الداعمين لداعش سوريا ، ويرجح ذلك عدم استهداف إسرائيل لتنظيم داعش لغاية كتابة هذه السطور ، هذا عدا عن وجود توافق أمني بين “داعش” و”إسرائيل” كون “داعش تكون موجودة أحيانا في بعض مناطق “الجولان” في مواجهة مع تنظيم النصرة ، وعلى مرمى القطاعات العسكرية الإسرائيلية، ومع ذلك فلا يوجد تبادل لإطلاق النار بين الجانبين ،أو حتى استهدافها ، كما أن بعض الجرحى من “داعش”، غالبًا ما يُنقلون إلى داخل إسرائيل، لتلقي العلاج ثم يعودون بعد تعافيهم تماماً للقتال في سورية.إضافة إلى أن تنظيم داعش غدى أحد أهم أدوات الفوضى الخلاقة، وتقسيم المنطقة وإضعافها ، واستنزاف قدراتها على حساب المواجهة مع إسرائيل بعد أن دخلت مرحلة القتال ضد الجبهة الإسلامية وأحرار الشام والنصرة والجيش السوري الحر وغير ذلك من التنظيمات المعارضة للنظام السوري أوجها, هذا مع استهدافهم بشكل ممنهج من معظم القوى التي تقاتل مع النظام السوري ، من هنا يصبح من شبه المؤكد أن الدول سالفة الذكر( إيران ، إسرائيل ، أميركا إلى جانب النظام السوري )، بات لها مصلحة في دعم تنظيم “داعش” ، واستمرار مقومات بقائه . وهم مستفيدون بمجملهم من خلال السعي لتشويه الإسلام بما تفعله داعش الرافعة لراية الإسلام السني من أعمال قتل وذبح منافية لأبسط المثل الإنسانية ، وثانياً تسعى هذه الدول لاستنزاف مقدرات الدول العربية وثرواتها ، وجعلها في حالة نضوب لمواردها وطاقاتها بشكل منتظم ومستمر ، وثالثاً إشعال حروب مذهبية وعرقيه لا تبقي ولا تذر؛ تمهيداً لتقسيم دول المنطقة وتفتيتها ، وإشغالها عن التنمية والبناء .
أمريكا : شعارنا ” نعم لتحجيم داعش لا لتحطيمها ”
في ظل هذه الظروف، يجدر بالولايات المتحدة التي تخوض نصف حرب في العراق أن توضح لحلفائها ماذا يجري فعلاً ، ولماذا هذا التواطؤ وعدم الدخول بقوة لسحق داعش ومن يقف خلفها وورائها، وأن سياسة أوباما وإستراتيجيته لا تستهدف تحقيق النصر على تنظيم داعش؛ حيث من المفروض أن تتكلل هذه العمليات بالنجاح حين تبدأ؛ بهدف الحفاظ على فعالية العمليات العسكرية ضد داعش كما حدث في العمليات الأميركية لتحرير “سد الموصل” من داعش ، ولوحظت بوادره في أماكن أخرى، كمصفاة بيجي إلى سد حديثة وكوباني.
من هنا يجب على الولايات المتحدة إذا كانت صادقة أن تنخرط بشكل مباشر لتضمن تدمير داعش في العراق وسورية ،وأن توقف تواطئها مع إيران وروسيا المتماهية في مغامرات القتل والدمار التي يخوضها نظام الأسد ضد الشعب السوري الأعزل ؛ خصوصاً أن أميركا فقدت مصداقيتها في العالم العربي ، بعد ما اعتبرته خطوطاً حمراء للتدخل ضد نظام بشار الأسد ثم تراجعت، الأمر الذي فُهم على أنه ضوءً أخضر أمريكي كي يُعمل النظام السوري قتلاً وذبحاً بالشعب السوري، وهو فعلاً ما حصل ، لهذا فإن إدارة أوباما تتحمل جزءاً مهماً من وزر الدم السوري الذي أريق ، ومازال لغاية الآن .
كذلك على إدارة أوباما ألا تتذرع بالأجواء الانتخابية في الولايات المتحدة ، وتنأى بنفسها عن قضايا المنطقة ، بعد أن كانت سبباً مهماً في خراب المنطقة بعد احتلال العراق في العام 2003 وتدميره ؛ مما سمح لإيران ببناء مجالها الحيوي ، وتعزيز نفوذها المدمر .
من المؤكد على ضوء التخاذل الأمريكي هذا ، فإن بقاء وجود داعش يُعتبر أمراً ضروريًا وحيوياً لإعادة ترتيب أوراق سوريا والعراق ، سواء عبر التقسيم الذي سيكون هادئاً وسلساً، ومثل هذا الحل سوف يُنهي الدولة العراقية والسوريه بجغرافيتهما وديموغرافيتهما اللتين نعرفهما، و هو المطلوب أميركيا وإسرائيلياً وإيرانياً .
إيران تفجر التوتر و تحاول نقله إلى الأردن
الآن وفق ما يجري من تطورات ، ما هي انعكاسات ذلك على الدولة الأردنية ؟ وما هي طبيعة التعديلات التي ينبغي إدخالها على الإطار النظري والإجرائي للقاعدة الأمنية الأردنية المبنية على مفهوم الحدود الآمنة ، وإعادة النظر بتعريف مصادر التهديد ونوعيتها ، وتعديلها بما ينسجم مع التطورات الساخنة في المنطقة نتيجة لدخول متغيرات على الأزمات الإقليمية المتفجرة ، بعد بروز احتمالية واضحة لتفكك بعض الدول ، وإعادة تركيب بعضها وفق رغبات دولية ، لا تتوانى فيها القوى العظمى عن طرح مشاريع إعادة تقسيم المنطقة وإعادة تركيبها ، بما ينسجم مع طموحات وأهداف هذه القوى . ومن هنا تبرز ضرورة التفكير جدياً بسيناريوهات أمنية متعلقة بكيفية مواجهة السيناريوهات المعقدة التي تطرأ كل لحظة ، كذلك وضع تصور “لليوم التالي” في كل من سوريا والعراق في حال بروز مستجدات ، خصوصاً بأن “عامل الوقت ليس إلى جانبنا”.
وعلى الجانب الآخر تقوم إيران بممارسة إستراتيجية خطيرة لبث سمومها الشيعية المنحرفة في أذهان الشيعة في كل أنحاء العالم ، لتجنيد شيعة الشتات للقتال في سورية والعراق من خلال التوسل بنبؤات خرافية وأساطير أقرب إلى الحقن والشحن الطائفي المقيت ، إلى جانب الانخراط المباشر ، ودعم عمليات القيام بمذابح ومجازر لاستهداف السنة في العراق وسورية، مدعومة بفتاوى مراجع التقليد لحث الشيعة على كراهية السنة وتكفيرهم وتأجيج الصراعات والفتن المذهبية ، ونشر الآف الكتب الشيعية ، بأزهد الأسعار، إضافة إلى بث سمومها ، وفتاوى مراجع التقليد عبر القنوات الفضائية و مواقع الإنترنت.
بتقديرنا أولاً أن إستراتيجية إيران كانت تعتمد بالأساس على تقوية داعش في العراق وسوريا واختراقهما ، إلى جانب تشكيل فروع لتنظيم داعش يتبع أجهزة مخابرات النظام السوري والإيراني ، والقيام بتمويلها ودعمها سراً لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها.من هنا جاءت المبادرة الأولى من خلال توجيه التعليمات للجيش العراقي بواسطة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بترك سلاحه وعتاده له والانسحاب من كافة مواقعه ، لكن هذه الإستراتيجية ماذا حققت لطهران ؟وما هي إنعاكساتها على الأردن ؟ .
تمكن تنظيم داعش أولاً من الحصول على أسلحة وصواريخ، والإستيلاء على مستودعات للجيشين العراقي والسوري، حيث حوت هذه الأنواع من الأسلحة، اسلحة هجومية إضافة إلى تسهيل النظام السوري لهذا التنظيم الحصول على الأسلحة الكيماوية، وتصريح مدير السي أي أيه الأمريكي بالأمس عن استخدام تنظيم داعش للسلاح الكيماوي أكثر من مرة يشير ويُمهد لأمر ما يتم التدبير له لدول المنطقة ؛ ومن ضمنها الأردن .
الأمر الثاني بالنسبة لما جرى في العراق ؛ فلا شك بأن هذه الإستراتيجية أسهمت في دفع الحكومة العراقية للطلب من الإيرانيين استدعاء قواتها وحشد مليشياتها وتعزيز قدراتها بغية القتال هناك ، بعد استخدام “داعش ” كورقة ضغط على “العراق” ، مما اضطره في نهاية المطاف للقتال إلى جانبها بحجة قتال تنظيم داعش ، وتحت هذه الذريعة يمكن تصفية السنة وتهجيرهم إلى داخل العراق ” مناطق محددة” ، وإلى خارجه باتجاه الأردن ،مما سيحدث أزمة لجوء إنساني إلى الأردن مرة أخرى ، الأمر الثاني الذي سيؤثر على الأردن واستقراره يكمن من خلال النتائج المتمخضة عن المذابح والمجازر الإيرانية ضد سنة العراق، والتي ستكون في نهاية المطاف سبباً في تحالف بعض العشائر السنية مع داعش والتأثر بفكرها على أساس كونها رأس الحربة لمواجهة عملية التصفية التي تخوضها إيران ومليشياتها على نطاق واسع ضد هذه العشائر ، بعد الخذلان الإقليمي والدولي لحماية سنة العراق ؛ وهذا بدوره سينعكس سلباً على الأمن الأردني ، نظراً لإرتباط الأردن المهم والمحوري مع هذه العشائر، و التي تُشكل مصدًاً مهماً بوجه التمدد الإيراني نحو الغرب .
النظام السوري وإيران: سيناريوهات متوقعة لاستهداف الأردن
من المؤكد أن العلاقات الأردنية – السورية – الإيرانية ، مُرشحه للتصعيد على مقياس متعدد الدرجات، بعد الإعلان عن توجه النية للتدخل العربي البري في سورية ، حيث بدأت رسائل التهديد والوعيد عبر تصريحات لمسئولين سوريين ، من رئيس النظام السوري بشار الأسد مروراً بوليد المعلم وزير الخارجية، ونائبه فيصل المقداد، وصولا إلى مندوب سورية في الأمم المتحدة بشار الجعفري.
حاول النظام السوري تهديد الأردن مرات عديدة من خلال التمهيد لتبني إستراتيجية تأجيج التوتر ونقل المعركة إلى داخل الأردن ، وقد برز أولها من خلال ربط ما يجري في جنوب سورية” درعا ” مع شمال الأردن ، واستئناف سيناريو القذائف العابرة بالخطأ إلى الأجواء الأردنية ، وسوف تسعى لمحاولة تعزيز هذه الإستراتيجية لتصبح قضية يومية ، ومحاولة توسيع مداها في حال تقوى النظام ، وفي حال قرب تنفيذ السيناريو الإسلامي للاجتياح البري لقتال داعش في سورية. هذا عدا عن إستراتيجية إرسال المفخخات والأحزمة الناسفة للقيام بعمليات تخريبية داخل الأردن .
لا شك بأن إستهداف الأردن من جانب سورية وإيران وحزب الله سيأخذ عدة أشكال وصور ، من هنا لا بد من مراجعة دقيقه لأهداف المخابرات السورية والإيرانية التي كانت تحاول رصدها داخل الأردن مسبقاً ، إستناداً على تجربة الأردن الأمنيه مع هذه الأطراف وإستراتيجيتها ، وقائمة أهدافها ، وأدواتها ، لأنها حتماً ستكون ضمن قائمة تنظيم داعش الارهابي في حال استهداف الأردن لا قدر الله .
كذلك لا بد من تشكيل لجنة إدارة أزمة مشتركة تشمل ” الجيش والوحدات المعنية بالحرب الالكترونية ،ووضع الخطط لحماية المنشآت الأردنية الحساسة التي تمثل أهدافاً للهجوم الإلكتروني ، وتطوير منظومة الإعتراض الإلكتروني للتجسس عل شبكة الإتصالات والمخابرات والإستخبارات الأردنية ومؤسسات الدولة السياديه ، كذلك لا بد من التنسيق بين المؤسسات والوزارات المعنية ” المياه ، الصحة ، الجمعية العلمية الملكية التي لديها إمكانات قادرة على تحاليل العينات المائية القادمة من سورية ، خشية من بث حرب بيولوجية من خلال استخدام وتوظيف المجاري المائية ، وتوفير الحماية لسد الوحدة الواقع على الحدود الأردنية السورية ، إضافة إلى مصفاة البترول والمنشآت الحيوية الأردنية .
كذلك لا بد من أهمية تزويد الأردن بشكل عاجل للطائرات بدون طيار لاستطلاع حدوده ؛ خاصة من جهة العراق وسوريه، ورصد عمليات بناء الأنفاق ومراقبة النقاط الحدودية صعبة التضاريس ، وتزويدها بكاميرات قادرة على العمل بمختلف الظروف الجوية وأن تضع بالإعتبار أشكال الأخطار كافة على هذا الصعيد .
كذلك لا بد من الإلتفات إلى الدور الخطير الذي يضطلع به تنظيم ولاية سيناء المنضوي تحت قيادة داعش لشن عمليات قد تستهدف الأردن من خلال الاقتراب من الحدود المائية والجوية الأردنية ، أو إطلاق صواريخ قصيرة المدى على العقبة ، أو حتى استهداف الطائرات المدنية في الأجواء من خلال احتمالية امتلاك مثل هذا التنظيم لصواريخ مضادة للطائرات .
كذلك لا بد من الإنتباه إلى عمليات خاصة بالغواصين من تنظيم داعش ومن شايعها للعبور إلى الحدود المائية الأردنية لتنفيذ عمليات سواء في العقبة ، و محاولة التسلل للوصول إلى العاصمة عمان . وتبقى فكرة المناطيد والطائرات الشراعية، وتفخيخ الأغنام والحيوانات الداخلة عن طريق عبور الحدود ، أو تهريب المفخخات من خلالها تبقى كلها احتمالات وارده لاختراق الحدود الأردنية بعد تسهيل مخابرات النظام السوري والإيراني وحزب الله لمثل هكذا عمليات.
كذلك لا بد لصانع القرار الأمني الأردني أن يعكف إلى دراسة كيفية استفادة داعش من تجارب عسكرية واستخباراتيه عدة، خصوصاً الأساليب الهجومية ، وحرب العصابات والإختراقات الحدودية ، وبناء الخلايا النائمة ، وكيف الإستفادة من خبرة مقاتلي القوقاز والشيشان والأفغان وحزب الله والحرس الثوري الذين كان لهم إسهامات في هذا المجال ،و باتوا يتمتعون بخبرة عملية مبتكرة وغير معهودة على الأرض لمحاولة اختراق الحدود ، وتنفيذ العمليات؛ ولا شك أن الأردن يأتي في مقدمتها .
* المقال يعبر عن رأي كاتبه و لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع.