د.صلاح البشير يخرج عن صمته ..
06-10-2015 10:24 PM
سيادة القانون
"وانصر أخاك ظالما أو مظلوما"
السيد رئيس تحرير موقع عمون
تحية و احترام،
طالعنا موقعكم بخبر منذ يومين تحت عنوان "دعوى قضائية ضد الاردن يقودها البشير في لندن بتهمه انكار العدالة" باسم السيدة سحر القاسم. وأرسل لكم التصحيح والتوضيح ادناه وفق احكام حق الرد الوارد في التشريعات السارية لنشره في ذات المكان والموقع والحروف والتوقيت الزمني الذي نشر فيه خبركم المشار إليه.
ان الخبر المنشور على موقعكم لا يحوي فقط على عدد من المغالطات والاخطاء بل فيه أيضا قدر كبير من التشهير والتحريض، ولا يحتكم للمعايير المهنية التي تفرض على الصحفي ان يتحرى الحقيقة او على الاقل ان يحاول الاتصال بأصحاب الشأن لفهم تفاصيل الموضوع الذي يتحدث عنه (وهذا أضعف الايمان). هذا لم يحصل ولم يكن هناك أي محاولة للاتصال بي او الاستفسار عن تفاصيل الخبر المنشور. كما أن التعامل مع الخبر يدل على جهل بالمبادئ الأساسية لسيادة القانون وسياسة الأردن والجهد الكبير الذي تم بذله على مدى السنين لخلق مناخ مشجع لجذب راس المال المحلي والأجنبي للاستثمار في بلدنا.
فيما يتعلق بالحقائق، فإن الدعوى ليست قضائية بل هو تحكيم معروض على مركز حل منازعات الاستثمار المؤسس بموجب اتفاقية واشنطن 1965 والتي تضم 181 دولة حاليا وتعطي المستثمرين العرب والأجانب حق اللجوء للتحكيم الدولي في حالة نشوب نزاع استثماري. والأردن وقع وصادق على هذه الاتفاقية في عام 1972 ادراكاً منه بان حق اللجوء الى التحكيم الدولي يشكل أحد اهم الضمانات الأساسية التي توفير الأمان للاستثمار وحماية لحقوق المستثمرين وذلك كمتطلب لتدفق الاستثمارات الى الأردن وتشجيعها وتنميتها. من جهة اخرى، فان الجهة المحتكم ضدها في هذا التحكيم هي حكومة المملكة الاردنية الهاشمية الموقرة والتي وافقت وارتضت التحكيم الدولي كمنصة لفض النزاعات الاستثمارية ضمن إطار اتفاقية واشنطن السالف ذكرها واتفاقية الحماية والتشجيع للاستثمارات بين الأردن والكويت– وهذه الوسيلة من فض النزاعات هي من أسمي وأرقى الممارسات الحضارية للدول.
ودليل آخر على غياب المهنية والاستهداف انه لم يكن هناك أي جهد – على افتراض حسن النية -لتقصي حقيقة علاقتي بمركز العون. فأنا لا تربطني اي علاقة من قريب او بعيد بمركز العون المزعوم في الخبر، وكذلك فإنني لا املك مركزا بهذا الاسم على الاطلاق ولكني اتشرف متطوعا دون مقابل برئاسة مجلس ادارة مركز للمساعدة القانونية يسمى مركز العدل للمساعدة القانونية وهو جمعية لا تهدف الى الربح وبالتالي لا املك اي أسهم او حصص في هذا المركز. ولو كان هناك أدني جهد لتحري الحقيقة والدقة لكان من السهل تلافي هذه "المغالطة" حيث أن طبيعة هذا المركز (أي مركز العدل للمساعدة القانونية) وبنيته ونشاطه وميزانيته وانجازاته وعلاقتي به منشورة للكافة على موقع المركز الالكتروني. وخلال السنوات الثمانية الماضية قام محامو مركز العدل للمساعدة القانونية بالدفاع عن حقوق وتمثيل أكثر من عشرين ألف شخص غير مقتدر دون ان يتحمل المستفيدين أي كلفة وفي اغلب الأحيان قام المركز بدفع رسوم المحاكم ومصاريف التقاضي نيابة عنهم من خلال 24 مكتب مساعدة قانونية على امتداد الوطن. وافخر انني جزء من هذا الجهد الجماعي الذي يهدف إلى تمكين المواطن غير القادر ماليا اللجوء للمحاكم للحصول على حقه وتأمينه بحق الدفاع المقدس خاصة وان الدراسات تشير إلى ان 68% من الأردنيين يمثلون امام محاكم الجنح والجنايات و83% امام الادعاء العام دون محام.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن زميلتكم قد استخدمت -وللأسف -تعابير قانونية فنية وحرّفتها عن سياقها القانوني ومعناها الاصطلاحي وجعلت منها عنواناً مضللاً يهدف الى الاثارة والتحريض على حساب الحقيقة والدقة.
إن الاحتكام لحكم القانون شرف، ومبدأ المشروعية يقضي بخضوع كافة المؤسسات والافراد بما فيها حكومة المملكة الاردنية الهاشمية للقانون. وإن لجوء مستثمر كويتي للتحكيم لحسم نزاع بينه وبين حكومة المملكة الأردنية الهاشمية هو من قبيل وضع الامور في نصابها القانوني السليم، حيث أن المادة التاسعة من اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات بين الاردن والكويت تنص على حق المستثمر اللجوء الى شرط التحكيم عند نشوء نزاع بينه وبين حكومة المملكة الأردنية الهاشمية.
من ناحية اخرى، فقد تم اللجوء للتحكيم من قبل المستثمر الكويتي منذ أكثر من سنتين فلماذا أثير هذا الموضوع الآن؟؟؟؟ وما الهدف؟؟؟؟؟ هذه ليست اول قضية تحكيم دولي في نزاع استثماري تتعلق بالأردن ولن تكون الأخيرة، لا بل ان موقع مركز حسم منازعات الاستثمار الدولية يظهر على الأقل وجود ثمان قضايا بين مفصولة وقائمة، وفي كل هذه القضايا يمثل محامون بمن فيهم الأردنيين لتمثيل الطرفين. وقد تشرفت سابقا بتمثيل حكومة المملكة الأردنية الهاشمية في فترة سابقة في تحكيم دولي مشابه وبحمد الله وفضله فقد تمكنا من الحصول على قرار لصالح الحكومة.
إن التلميح والاتهام بان تمثيلي كمحام لمستثمر عربي هو ضد مصلحة الأردن كوطن هو ضرب من ضروب الخيال الذي نسجه ذهن الكاتبة ومن قبيل المهاترات. فالأردن ملتزم بسيادة القانون واحترام التزاماته الدولية، والرؤية الأردنية ترتكز على ان معالجة مشكلتي الفقر والبطالة تقوم على تحفيز النشاط الاقتصادي وتدفق الاستثمارات وبالتالي خلق الالف من فرص العمل. والتزام الأردن بحماية حقوق المستثمرين العرب والأجانب هو ليس انحيازاً للمستثمر غير الاردني بل خدمة لمصلحة الأردن والمواطنين؛ لأنه بدون هذه الحماية السائدة في معظم دول العالم لن يكون هناك استثمار فعال في بلدنا. وعليه فإن الايهام بان تمثيل مستثمر عربي في خصومة مع الحكومة هو عمل ينال من مواطنتي أو مهنيتي هو تضليل مقصود للرأي العام وفيه استهداف شخصي ومحاولة للضغط على محامي يمثل طرف في خصومة ومحمي قانونا، وينم – في أفضل الأحوال-عن جهل بطبيعة الخصومات الاستثمارية الدولية وأسلوب حلها، وقد يلون موقعكم بغير اللون الأبيض الناصع الذي نريد إلى غيره من الألوان لا سمح الله. هذا فضلاً عن ان معظم وزراء العدل السابقين اما محامين أو قضاة زاولوا المهنة قبل وبعد الخدمة الوزارية، والقانون الأردني يسمح للمحامين بالتوكل ضد الوزارات والمؤسسات الحكومية كما ويسمح للمحامين الذين كانوا يشغلون منصباً في أحد الوزارات بما فيه منصب الوزارة بالتوكل ضد هذه الوزارة بعد مرور سنتين على خروجهم من الوزارة.
اما عن المحاولة اليائسة لتمرير ان هناك تناقض بين تشرفي بالخدمة العامة كوزير للعدل سابقا وقيامي بعملي كمحامي يقوم بتمثيل مستثمر في خصومة مع الحكومة فهو مرفوض تماما ويشكل اسفافا واستخفافا بعقل القراء. لا تناقض في القيم والرسالة التي يحملها وزير العدل وتلك التي يحملها المحامي، فكلاهما يسعى إلى تحقيق العدالة والعمل لضمان سيادة القانون وحقوق الخصوم في الحصول على التمثيل القانوني اللازم. واستغرب قول الكاتبة أن هناك قانونيين يستهجنون اللجوء الى القانون والى التحكيم الدولي لحل نزاع نشأ بين الحكومة الأردنية ومستثمر؟ فكل محام قد اقسم بالله العظيم بان يكون مخلصاً للملك والوطن وان يؤدي اعماله بأمانة وشرف كما تقتضيها القوانين والانظمة وان يحافظ على سر مهنة المحاماة وان يحترم قوانينها وتقاليدها.
بغض النظر كيف سينتهي التحكيم المُقام من قبل المستثمر الكويتي ضد حكومة المملكة الاردنية الهاشمية، فان هذا التحكيم الدولي سيؤكد على التزام الأردن بالقانون والمعايير الدولية بما فيها حماية حقوق المستثمرين الذي شجع راس المال العربي والأجنبي للقدوم للأردن وهذا يصب في مصلحة الأردن العليا لتشجيع الاستثمار والنهوض بالاقتصاد، وتعاطي الحكومة الإيجابي مع هذا التحكيم الدولي ونتائجه سيكون بمثابة شهادة للأردن على سمو الشرعية والقانون فيه.
وأخيراً، لا بد لي من التأكيد على عميق أسفي بان يكون لموقعكم دور في استهدافي شخصياً والبناء على ذلك لاستهداف مركز العدل للمساعدة القانونية الذي يضطلع بدور نبيل ومطلوب في مجتمعنا لضمان العدل والمساواة وحقوق المواطنين.
وإنني وإذ أحتفظ بحقي في مقاضاة موقعكم الذي خرج عن حكم القانون وحرّف الحقائق وشهّر بيّ بسبب قيامي بواجبي المهني والمصون قانوناً، ومقاضاة زميلتكم ومصادرها– ان وجدت-الذين استهجنوا قيام محام بواجباته المهنية من خلال عرض نزاع على التحكيم الدولي، فإنني أوكد لكم بان الاستهجان الذي ورد على لسان زميلتكم ومصادرها لا ينم عن معايير قانونية ومهنية سليمة، وانني قطعاً لا اتفق معها أبداً كمواطن قبل ان اكون محاميا او وزيرا سابق، فأية معايير هذه التي تصادر حق الناس في التقاضي، وهو الحق الذي كفله رب العالمين للناس؟
واذكركم ونفسي بقوله تعالى الذي منح العباد حق التقاضي وحق استحقاق العدل:
((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)). صدق الله العظيم.
وأذكركم بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " قالوا: يا رسول الله! هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: " تأخذ على يديه " [هذه رواية البخاري]، وفي رواية: قال: " تحجزه عن الظلم؛ فإن ذلك نصره " وعند مسلم من حديث جابر: " إن كان ظالماً فلينهه؛ فإنه له نصره ".
وأقول: أغار على بلدي وانصره ظالما او مظلوما.
المحامي الدكتور
صلاح الدين محمد البشير