د. غازي رفعت عودة يرد على "توضيح على توضيح"
23-08-2015 07:05 AM
الأستاذ رئيس تحرير صحيفة عمون الالكترونية المحترم
بعد التحية الطيبة:
أكتب لكم ردي على "توضيح على توضيح" الذي نشر للدكتور بكر خازر المجالي بتاريخ 12/8/2015 راجياً نشره عملا بحق الرد.
أستهل الدكتور بكر المجالي "توضيح على توضيح" بالقول "بعيدا عن الايحاءات والتأويل، والحرب على تاريخنا الوطني، واتساءل بعد كل هذا لماذا حكم على رفعت عودة بالاعدام؟" .
يبدو لي انه بتساؤله هذا اوقع نفسه فيما أراد أن يبتعد عنه. فهل يعقل طرح مثل هذا التساؤل الذي تجاوز فيه الايحاء والتأويل إلى الاتهام الصريح؟ وحبذا لو أجاب بنفسه على تساؤله ليعلم علم اليقين أن حكم الإعدام في سنة 1959 لا يمت بصلة بما ذكره في مقال 22/7/2015 حيث مع الأسف يظهر أنه اراد القول أن من حكم بالإعدام سنة 1959 في محاولة انقلاب لا بد وأن يكون متورطاً في إحدى محاولات الاغتيال (سبعة أو ثمانية حسبما ذكر) التي حصلت قبل 21/7/1951.
يصرح الدكتور أن مصدره لهذه المعلومة هو المرحوم حكمت مهيار وأن الأخير قال "في كل محاولة اغتيال كنا نعتقل المشتبه بهم ومنهم المعارضة والناشطون السياسيون والحزبيون والمعروفون لدينا والتحقيق معهم ، واورد ذكر الدكتور رفعت عودة في احداها".
هذا الاقتباس على لسان المرحوم حكمت مهيار يطرح عددا من الأسئلة تستجدي الإجابات: هل حقق المرحوم حكمت مهيار مع رفعت عودة؟ وهل اعتقله؟ إذا كان الجواب بالنفي (وهو فعلا كذلك لأن والدي لم يتم اعتقاله إطلاقا في تلك الفترة ولم يكن متواجدا كذلك كما سأوضح) لماذا سامحه في تهمة خطيرة كهذه؟ من كان مشتركا مع رفعت عودة في المحاولة المزعومة؟ من حاول تنفيذها؟ أين كانت ستتم مكانيا؟ ما هو التاريخ الذي كان مرصوداً لتنفيذها؟ لماذا وصفت بأنها بارزة وشهيرة؟ وإذا كانت كذلك لماذا لم يسمع بها أحد؟ هل قبض على أي من المشتركين بها وحوكم وعوقب؟ ... وهناك سؤال آخر لا يمكن تجاهله: لماذا لم يأت أحد على ذكر هذه المحاولة في محاكمة الانقلاب التي تمت عام 1959 كونها –لو صحت- تكون قرينة مقنعة لاستعمالها ضد الدكتور رفعت عودة؟ اترك للقارئ الكريم محاكمة ما سبق ذكره والوصول إلى الاستنتاج الصحيح! هذا مع العلم أن الدكتور رفعت عودة لم يتواجد إطلاقاً في الأردن (الضفة الشرقية) في الفترة الممتدة ما بين سنة 1939 إلى سنة 1954، كما سأوضح فيما بعد.
من هنا أقول انه في الوقائع والأحداث التاريخية كما يعلم الدكتور بكر المجالي فإن المصادر السمعية بمفردها لا يعتد بها عادة ولا تعتبر توثيقا علميا مقبولا.
وفي سياق الإشارة إلى محاولة الانقلاب، فإن المرحوم حكمت مهيار –وكان في حينها مديراً لشرطة العاصمة- هو الذي حضر إلى منزل الدكتور رفعت عودة في 13/3/1959 بنفسه وكان كعادته دمثا ولطيفا واصطحب والدي في سيارته إلى السجن، وفي سنة 1963 أعاد في سيارته مدير المخابرات العامة في ذلك الوقت المرحوم محمد رسول الكيلاني والدي إلى منزله وطلب مني عند دخوله المنزل أن افتح الراديو حيث كانت نشرة أخبار الثانية بعد الظهر قد أزفت واستمعنا جميعا إلى الإرادة الملكية السامية بالإفراج عن الدكتور رفعت عودة وصادق الشرع. وبين هذين التاريخين سنة 1959 وسنة 1963 جرت مياه كثيرة تحت الجسر لا حاجة للخوض في تفاصيل ما حملته.
كما اؤكد للدكتور بكر المجالي انني لست ممن يطلقون كلمات الأوهام والتخيلات على من يريد "إلقاء الضوء على الجوانب التاريخية لنقل معرفة تختص في موضوع الثقافة الوطنية" حسب تعبيره، ولكن عملية الاستهواء التي ذكرها ومن ثم "الإشارة إلى الدكتور رفعت عودة لأنه هو المدني الوحيد بين كل الذين شاركوا في محاولات الانقلاب والاغتيال في خمسينيات القرن الماضي"، أقول أن في هذا خلط واضح.
وليسمح لي الدكتور الفاضل بالقول أن فيه تجنٍّ على الواقع ومغالطة أيضا، وربما كان الأمر مفهوماً أكثر لو اقتصر الاستهواء بالإشارة إلى محاولة الانقلاب سنة 1959 فقط (مع انها ليست موضوع المقالة أصلا واقحمت فيها بلا مبرر). فالخلط هنا أضاع الحقيقة وسلب حق الأجيال في الوصول إليها ولم يضيء على الجوانب التاريخية بل شوش على الثقافة الوطنية فحصل تجميع غير موفق بين الادعاء بوجود محاولة اغتيال الملك المؤسس والتي أثبت بما لا يدع مجالا للشك استحالة حدوثها وبين محاولة الإنقلاب التي أدت إلى الحكم بالإعدام، وهذان الأمران مختلفان كليا فالأمانة المهنية تمنع من الربط بينهما.
نقطة أخرى تجدر الإشارة إليها اوقعت الدكتور الفاضل في خطأ آخر كان من الممكن تفاديه بسهولة حين ذكر أن "المرحوم الدكتور رفعت عودة ومنذ تخرجه من ايطاليا سنة 1939 بدأ بممارسة النشاط السياسي الوطني وانضم إلى حزب البعث العربي". هذا الكلام عارٍ تماماً عن الصحة ومناف للواقع لأن المرحوم رفعت عودة لم ينضم إلى أي حزب سياسي طيلة حياته، لا حزب البعث ولا غيره، وليس له أي رقم حزبي في أي منها. ولو أمكن للدكتور بكر المجالي الاطلاع على المقابلة التي أجراها الأخ الأستاذ محمد داوودية ونشرها في صفحة كاملة من جريدة صوت الشعب قبل وفاة المرحوم رفعت عودة بفترة ليست طويلة، لتأكد مما ذهبت إليه. وما يهمني هو تبيان الحقيقة بما يخص والدي ولا يهمني ما قيل عن حزب البعث ولست معنيا بالدفاع عنه. ومن الجدير بالذكر أن الدكتور رفعت عودة اتهم مراراً بأنه شيوعي كونه استمر رئيسا لجمعية الصداقة الأردنية السوفيتية لمدة 12 عاماً أيام الاتحاد السوفيتي.
كما أن الدكتور رفعت عودة ومنذ تخرجه من ايطاليا سنة 1939 لم يبدأ بممارسة النشاط السياسي الوطني كما ذكر الدكتور بكر المجالي لسبب بسيط لا يخفى على أحد، فهو خريج ايطاليا حليفة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية وعاد إلى فلسطين زمن الانتداب البريطاني مع بداية الحرب، مع ما يستتبع ذلك من حيطة وحذر. بالإضافة إلى ذلك، فقد وجد نفسه في ظروف لا تخفى على كل من يتفهم وضع ابن القرية الطبيب الشاب والوحيد في قرى المنطقة والآمال المعقودة عليه من عائلته وعشيرته. كل ذلك لا يسمح له بمجرد التفكير في العمل السياسي ناهيك عن تعاطيه. ولذا فقد افتتح عيادة خاصة له في قلقيلية ونقل عيادته إلى بلدته بديا بعد عدة سنوات وبقي يمارس الطب فيها إلى سنة 1949. وسافر بعدها إلى ايطاليا مرة أخرى ليتخصص في طب العيون وعاد في سنة 1952 وعين في وزارة الصحة مسؤولا عن طب العيون في الضفة الغربية في رام الله وبعدها في الخليل إلى أن نقل إلى عمان في سنة 1954.
وفي فقرة الدكتور بكر المجالي عن التوثيق كتب "وفي مثل حالة المرحوم الدكتور رفعت عودة فانا لم اجتهد من عندي بأي شيء ولم اتهمه ولا قصد لي في أي شيء سوى ان نعيد قراءة التاريخ وتصويبه للوصول الى الهدف الحقيقي وهو خدمة عقل الجيل الحديث ليبقى على اتصال مع وطنه واصوله". وأقول إعادة قراءة التاريخ وتصويبه لا يكون بإضافة أحداث إليه لم تحصل أو على الأقل مشكوك في صحتها، بدون إخضاعها للتحليل والتمحيص وتطبيق أعلى معايير الدقة عليها للتثبت من صحتها من مصادر لا يرقى الشك إلى مصداقيتها وإلا لنتج عكس ما هو مقصود تماماً. ولأعطي مثالاً حياً: الدكتور الفاضل استحدث خمس كلمات فقط هي "ابرزها محاولة رفعت عودة الشهيرة" واصفاً محاولة مزعومة لاغتيال الملك المؤسس في مقاله الأول في 22/7/2015 والتي أثبت عدم صحة وجودها.
هذه الكلمات الخمس كونها لا تمثل حقيقة الواقع واستحالة انطباقها عليه، ستعجز عن تصويب التاريخ وتقصّر في الوصول إلى الهدف الحقيقي في خدمة عقل الجيل الحديث. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن إقحامها ينسف ما حاول الدكتور أن يوصله إلى القارئ بل وتتعارض مع كل كلمة في الاقتباس أعلاه بدءا بأنه لم يجتهد، ففيها اجتهاد واضح بأنها "بارزة وشهيرة" وفيها اتهام مباشر بجريمة محاولة اغتيال وبلا دليل ولا يعفيه من ذلك أن أحدا آخر ذكرها له، خاصة وانها وردت ضمن الفقرة التي تتحدث عن أن محاولات الاغتيال للملك المؤسس كان من ضمن أهدافها وأد تحقيق حلم الدولة الفلسطينية ومقاومة الخطوات الوحدوية ..إلى آخر ما تضمنته الفقرة المذكورة. فما الذي يمكن أن يستنتجه القارئ الكريم بالنسبة للمرحوم الدكتور رفعت عودة عند قراءته لهذه الكلمات الخمس في المقال المذكور؟
وقد أرسلت للدكتور بكر المجالي ايميل (email) على عنوانه الذي لدي واظنه صحيحا في 5/8/2015 شرحت له طبيعة الخطأ الذي وقع فيه وأساء به إلى سمعة والدي وأن ما ذكره عار عن الصحة وطلبت منه تصحيح ما كتبه والاعتذار عنه –فالرجوع إلى الحق فضيلة – وانتظرت خمسة أيام. ولما لم يجب التجأت إلى حق الرد في عمون ونشرته عمون مشكورة (تحت عنوان "نجل رفعت عودة يوضح") في نفس اليوم وبعد النشر رد ب"توضيح على توضيح" أصر فيه على صحة ما كتبه في المرة الأولى بل أضاف إليه أشياء لا تمت إلى موضوع المقال الأول بصلة عندما أقحم فيه تساؤلا قائلا في ست كلمات "لماذا حكم على رفعت عودة بالإعدام؟" وكأنه يحاول أن يبرر خطأه بالإشارة إلى موضوع آخر لا علاقة له بما نحن بصدده. ولم يكتف بذلك بل اتبعها بإدعاء لا أساس له من الصحة وهو أن الدكتور رفعت عودة انتمى إلى حزب البعث العربي وقد بينت سابقا بطلان هذا الإدعاء.
وإذا كان الهدف فعلا هو إلقاء الضوء على الجوانب التاريخية ونقل معرفة تختص في موضوع الثقافة الوطنية فهذا هدف لا يختلف عليه أحد. إلقاء الضوء يهدف إلى تحقق رؤية أفضل للحدث التاريخي أو الواقعة مدار البحث، وبالتالي يحصل نتيجة ذلك نقل ما هو صحيح من المعرفة وإهمال ما هو خاطئ. ومن هنا وبعدما تبين الصواب من الخطأ فليطبق الدكتور الفاضل ما يقول انه يسعى لتحقيقه فتصحح الأخطاء وتذكر الحقائق كما هي مهما كانت، فلا يتوقف الجهد المبذول للوصول إلى الحقائق عندما يتعلق الأمر بالمرحوم الدكتور رفعت عودة - ولكفاني بفعل ذلك مؤونة الرد والتعليق - وتتم خدمة الشباب في الوصول إلى ثقافة وطنية صحيحة وغير مشوهة فالحقيقة تبقى ضالة المؤمن.
وبالمناسبة أقول حبذا لو أن الدكتور الفاضل تعامل مع المعطيات والمصادر الأولية بموضوعية حيث أن ذلك يستوجب التوثيق العلمي الصحيح وعدم اعتبار ما أسماه كلام شهود العيان وثيقة، وأنه لا يصح الاعتماد عليه فقط للتوثيق حيث في كثير من الحالات تتضارب الاقوال. وكوني أنا نفسي عايشت فترة الخمسينات من القرن الماضي، فلا اتوقع أن يؤخذ كلامي كشاهد عيان على انه وثيقة بدون إخضاعه للتمحيص والإثبات من مصادر أخرى محايدة وموثوقة.
واختم بالقول أن اعتذار الأخ الدكتور عن تسببه في "أي سوء تفكير أو ظن" وإن كنت اتقبله الا أن هذا لم يؤد إلى تصحيح الأخطاء التاريخية التي أشرت إليها في ردي هذا، والذي حاولت "توظيفه للمزيد من الايضاح وتصويب التاريخ" حسب تعبير الدكتور بكر المجالي. فالاعتذار لم يرق إلى ما كنت اتوقعه من نفي التهمة الباطلة التي ألصقت بوالدي جراء ما ورد بالمقال الأول عن اشتراكه في محاولة اغتيال مزعومة، وما تعرض له أيضا من اتهام عن انتمائه لحزب البعث العربي، وما يعكس ذلك عليه –حسب رأي الكاتب- من صفات لا تنطبق عليه. ولهذا فإن تصويب الأخطاء التي ذكرت ونفي الاتهامات التي وجهت وإن كانت عن غير قصد يتطلب تصحيح ما اعطب. فالأمانة العلمية تستدعي الرجوع عن الخطأ، والرجوع دائما إلى الحق فضيلة، والحقيقة هي ضالة المؤمن.
مع خالص الاحترام والتقدير،
د. غازي رفعت عودة.