الإسلاميون : ضحايا .. ام أدوات؟
طلال الخطاطبة
01-07-2013 09:50 PM
إن المتابع لحال الحركات الإسلامية منذ منتصف القرن الماضي إلى هذه اللحظة يحار في أمرهم، هل هم ضحايا كما يظهرون أو أدوات أم أنهم لا يتعلمون من تجاربهم و يكررون نفس الأخطاء! هذه مجرد تساؤلات و ليست اتهامات، و لا ننوي أن ندس أنوفنا بشؤون هذه الحركات الداخلية، لكننا نتحدث لأن المجتمعات العربية التي تسعى للاستقرار تتأثر بالأوضاع الناتجة عن دخول هذه الحركات عالم السياسة.
لقد وصل الإسلاميون في الجزائر ببداية الثمانينات من القرن الماضي بانتخابات قيل عنها أنها نزيهة ( فلم تكن عبارة شفافة معروفة بتلك الفترة)، و بجرة قلم عمد النظام الجزائري إلى إلغاء هذه الانتخابات دون أي مبرر تحت عين العالم الخارجي و ربما بمباركته؛ أي ضحية يمكن أن تكون أكثر من هذا؛ تنجح بالانتخابات و تُطرد منها. و كانت النتيجة نهر من الدم الجزائري أين منه تلك الدماء التي سالت بحروبها مع فرنسا للاستقلال!. و انتهى نهر الدم كما انتهت حرب العراق و ايران الكل مهزوم و يظن نفسه المنتصر، و اقتصاد متدهور للبلد.
و بانتخابات نزيهة أيضا فازت حماس بفلسطين و تم تكليف الرئيس هنية بتشكيل الوزارة، و بدأ الشرخ من جديد بين التيارين الحاكمين و هم فتح بشخص الرئيس عباس و حماس بشخص هنية منذ لحظة التكليف. بدأ الانفلات و من ثم الانقسام و الاكتفاء بغزة كنتيجة لهذه الغزوة، و لا تزال صور الاقتتال بطرد فتح من غزة عالقة بالذهن لم تمحها الأيام بعد، و انتهت بأن تصف حماس الرئيس عباس بالرئيس المنتهية ولايته، و تصف فتح هنية و حكومته بالمقالين. و قد بدأت حماس بتحقيق بعض الاعتراف باستقبال رؤساء الدول كالشيخ حمد أمير قطر السابق، و فرش السجاد الاحمر و استعراض الضيف و هنية حرس الشرف كرؤساء الدول، و ربما يكون هذا بداية الاعتراف بحماس كدولة في غزة؛ و لا أستغرب إذا استمر الحال على ما هو عليه أن يتم تبادل السفراء بين حماس و السُلطة الفلسطينة، فمن يدري؟
و ها هم الآن و برياح الخماسين العربي (الربيع العربي) فازوا بالانتخابات بمصر، و بوادر الانفلات الأمني و الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي كان المصاحب لعهدهم الجديد؛ ترتفع سقوف الهتافات و يرتفع معها لغة التهديد من الرئيس المصري، و ستنجر البلاد الى بحر من الدم إن لم يدرك الحكماء المصريون ذلك إن كانت لهم كلمة بالموضوع. و هذا أيضاً يظهر مبدئياً الاسلاميين المصريين ضحايا لمؤامرة تحاك ضدهم، و لا ندري ان كانت النتيجة ستكون كما حدث بالجزائر و حماس.
لا أريد التعريج على باقي الحركات الاسلامية بالدول العربية و آخرها سوريا؛ التي تم توريطها بالنزاع السوري الداخلي المُطالب بالإصلاح، و يتم الآن سحب البساط من تحت قدمي الحراكات لتواجه الترسانة العسكرية السورية لوحدها.
هنا يبرز السؤال مجدداً هل هم فعلا ضحايا كما ظهر من الصور الثلاث الأولى أم أنهم أدوات أريد للمجتمعات العربية أن تنتهي إلى ما انتهت اليه بالجزائر و بفلسطين و مصر و سوريا على أيدي هذه الحركات. هل خُلقوا لهذه الأهداف مثلاً؟ نحن نذكر أن حركات الإخوان المسلمين نشأت في ظل الأنظمة العربية كإبنة مدللة لهذه الأنظمة كرأس حربة يحاربون بها المد الشيوعي القادم من الشرق. و أعطيت لهم المساجد فصالوا فيها و جالوا محذرين الناس من هؤلاء و تكفيرهم، و سمح لهم بتأسيس المراكز و الجمعيات الإسلامية لتلقي الصدقات داخلياً و خارجياً و توزيعها على الفقراء و المحتاجين بمناطق يمكن أن يكون دور بنشاط سياسي مستقبلي، و هذا أتاح لهم التمكين في الأرض؛ و هذا هو السبب بتفوقهم على باقي الاحزاب بأي انتخابات. لهذا يساور الناس الشك إن كانت النوايا لهذه الجماعات باطنها كظاهرها؛ إذ لا يمكن للتلميذ أن ينقلب على معلمه.
إن الأمثلة الثلاث التي قدمتها إنما هي أدلة تشير الى أنهم ضحايا بنفس القدر الذي يمكن أن نشير بإصبع الاتهام أنهم أدوات لتقسيم البلاد و خرابها اقتصادياً . لكن السؤال الذي يطرح نفسه إذا سلمّنا بأنهم ضحايا و هو: ألم يتعلموا من تجاربهم السابقة؟ ألم يتعلموا لماذا يتآمر العالم و يتكالب عليهم بكل مرة ينجحون بها بأي انتخابات؟
إن الوصول إلى السلطة بأي بلد لا تحدده نتائج الانتخابات فقط، إنما تحدده أيضاً تفاهمات سياسية دولية؛ لهذا نجد أن الحركات الإسلامية العربية ( إن كانت ضحايا) ما زالت لا تتقن مخاطبة العالم بلغة يفهمها حتى يقبلها و يتوقف عن التآمر عليها. لماذا لا يغيروا من طريقة خطابهم للعالم، لماذا بقيت نفس اللهجة الفوقية عندهم كما لو كانوا يملكون الأمر وحدهم في هذا العالم؟ لماذا نجحت (بدرجات متفاوتة) التيارات الإسلامية في بعض الدول غير العربية و التي ترفع شعار الاسلام كإيران و تركيا في كسب العالم الخارجي وجعلته يعترف بها؟ في حين أن الدنيا تقوم و لا تقعد إن وصل الإسلاميون العرب الى الحكم.
إن أكثر ما يخيف العالم من الأحزاب الدينية العربية هي هذا الضجيج الديني الاعلامي الفوقي و ربما الاستفزازي الذي يصاحب تفوق كل حزب ديني بأي انتخابات بمجرد الفوز وقبل التمكن؟ و هذا التسارع بالفتاوى بتكفير هذا أو تجريم هذا او تحليل دم ذاك و ما يُنشر على موقع اليوتيوب مما يفعله بعض العرب المتدثرين بالشعارات الدينية يجعل كل القوى تتكالب عليهم حتى لا يفوزوا. فبمجرد تولي أحد الإخوة منهم منصباً تنقلب الدائرة كلها منهم و يكون الاستعداء للأطراف الأخرى، مما لا يجعلهم يختلفون عن أنظمة الحزب الواحد التي جلبت الخراب للدول التي حكموها.
إذا كان خدمة الوطن غايتهم كما يقولون وهم جماعة دينية فقط فلماذا الإصرار على الدخول في عالم السياسة و يجعلوا أنفسهم واجهة تُعرض عليها كل عيوب و فساد من سبقهم. كان المفروض أن يبقوا في صف المعارضة حيث سيكون صوتهم أعلى و أقدر على التأثير بالسياسات، و إن لم تنجح جهودهم فلن يلومهم أحد.
لكن أما و قد قرروا خوض السياسة فيجب عليهم أن يقدموا أنفسهم كحزب كباقي الأحزاب دون الظهور بمظهر الحزب الديني، فمهمة رجال الدين كبيرة و أخطاؤهم لا تغتفر، و لن يقبل المجتمع أن يخطأ الشيخ الفلاني، فهم ليس الشيوعي الفلاني أو البعثي العلاني مع الاحترام للجميع. هؤلاء هم رجال دين كما نراهم نُجلّهم و نحترمهم و لكنهم ليسوا سياسيين.
شيء مرعب هذا الذي يجري بمصر و يجب أن لا ينتقل إلى بلدنا الأردن. نقدر لكل من الحكومة الأردنية و جبهة العمل الإسلامي حرصهما على سلمية الحراكات لهذه اللحظة، و لكن تصريح قيادي جدلي كزكي بني أرشيد للقدس العربي يحدثنا بلغة باطنها تهديدي بقوله أن سياسة الإخوان المعتدلة أثبتت فشلها يشير الى التفكير بالوجه الثاني من سياسة الإخوان وهي سياسة العنف، و هذا لا يبعث على الإطمئنان، و يداخلنا يقين أنهم سينتقلون إليه إن بدأ بالشقيقة الكبرى مصر.
ختاماً كل الأردنيين يحبون الإخوان فهم عِشرة عمر و لكنهم قطعاً يحبون الأردن أكثر. حمانا الله جميعا من كل شر بما فيها شرور أنفسنا.
alkhatatbeh@hotmail.com