رغم ما يحيط بالمنطقة من بؤر متوترة، و رغم اشتداد الضيق على هذا البلد الطيب، و مهما يُثار من تساؤلات كثيرة بغض النظر عن مصدرها؛ تشكيكاً أم شفقةَ على جسم هذا الوطن الصغير مساحة، الكبير حجماً، إلا أنني أجد في كل هذا التلاطم ضوءاً من قنديل صغير بوسط هذا الركام اسمه الاستقلال، يتوهج بريقاً، و يستمد زَيته من تاريخ مجيد طوال المئة العام الماضية من عمر الدولة الأردنية.
نعم يجب أن نحتفل بهذا اليوم أو نعظِّمه أو نلقي الضوء عليه، و لا نمر عليه المرور مرور الكرام لسبب رئيس برأيي ألا وهو إعطاء دفعة أمل لمواطن قابضٍ على ما تبقى من مواطنته بأن البلد بخير، أو لمغترب تسوّد الدنيا بوجهه و هو يتابع قنوات البزنس الفضائية و هي تنهش بما تبقى من لحم نكسو به هيكل الوطن العظمي، و يراه متماسكاً لا ينحني، بأن بلده ما زال متماسكاً. نريد أن نعطي الأمل لأطفالنا في ديار الاغتراب الذين يحتفلون بأي شأن أردني كحضور نادٍ أردني لعندهم و يحقق فوزاً: يخطّون لوحاتِ الترحيب بأناملهم الصغيرة و يزينوها ( بنحبك يا أردن) و يطوقون أعناقهم بالشماغ الأحمر و يباهون باقي الأطفال من الجنسيات الأخرى و يقولون نحن أردنية. نحتفل به و نحن نرى الأخ العربي يلوح لنا بمساعدة و معها ورقة بشروطٍ أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لا تتناسب مع مبادئ هذا البلد، و يجد هذا البلد من الكرامة ما يدفعه لرفض هذه المساعدة مع الشكر للصديق.
لا أستسيغ أي مبرر لإلغاء الاحتفال بهذا اليوم سواء بالوطن أو بالتجمعات الوطنية بالخارج إلا سبباً واحداً فقط ألا و هو قلة الحيلة المالية و ضيق ذات اليد، عندها يكون الخبز للوطن يتقدم على الإحتفال.
لا أدعي أني أكثر وطنية ممن يجتهد بخلاف رأيي هذا، و لكني أريد أن أقول لهم أن هذا احتفال وطني و مناسبة سيادية لا يجب التفريط فيها لأي سبب آخر. نعم، هناك من يقول كيف نحتفل و كل هذا القتل حولنا، و لهؤلاء أقول أن هذا الأمر بالذات هو سبب كافٍ لأن نحتفل، لا أن نلغي الحفل. فإذا قدّر الله لنا أن يبقى الدم الأردني محفوظاً لهذه اللحظة فهذا أدعى لأن نحتفل مع الدعاء للأشقاء بأن يكشف الله الغمة عن إخوتنا. لا يجوز البحث عن أسباب الإلغاء، إنما يجب البحث عن أسباب الاحتفال.
لكن هناك فئة حذرة و لا أريد أن أقول عنها تشاؤمية، و هي تتخوف من المستقبل المجهول. و هؤلاء لهم عذرهم طبعاً و لا أريد أن أقول كلاما إنشائياً حول هذا الموضوع؛ لكني أريد أن أسوق لهم قصة تراثية مفادها أنه و في أثناء احتفال العائلة بعيد الفطر السعيد بعد صوم شهر شاق بشهر حار جداً، شوهد (ختيار) لا تظهر عليه آثار الفرح مطلقاً، بل على العكس كان ملتفاً بعباءته و عبوس الوجه. عندما سألوه عن سبب تشاؤمه و عدم الفرح، قال : (ولكوا) و الله إني (هكلان) هم رمضان الجاي. فلا ضرورة لاستباق الأحدث أبداً.
أعود لموضوع القنديل الذي ارتبط اسمه بالشهيد وصفي التل و قد جاء ذكره بأكثر من مقال. يجب أن نحرص على ان يبقى هذا القنديل (ضاوي) إذا توفرت نقطة زيت فيه. عندما ينفذ الزيت نقول هذه حكمة الله و قدره و لا راد لقدره.
كل عام و الوطن بكل خير