استراتيجية ادارة الازمات الأمنية * اللواء المتقاعد د.فهد الكساسبة
mohammad
30-03-2011 01:22 PM
شهد الاردن و منذ مطلع هذا العام مجموعة من المسيرات و الاعتصامات و في مختلف مناطق المملكة و قد كان لكل منها دوافعها و تداعياتها و مسبباتها و لكنها في مجملها كانت مشروعة و تصب في مصلحة الوطن سواء كانت تطالب بالاصلاح الشامل، او باحداث تغييرات ،ا و تعديلات او اعادة هيكلة بعض سلطات الدولة و تفرز متطلباته الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و هذا وجه ايجابي طالما ان الهدف و النتيجة هو تصحيح الاخطاء و تصويب الاوضاع و معالجة الخلل و الانحراف و اوجة الفساد المختلفة لكي لا نصل الى ما وصل اليه البعض فنصبح امام ازمة متفاقمة متعددة الجوانب يصعب حلها بالاساليب الادارية المناسبة.
و مما يؤكد حضارية و ايجابية الاعتصامات و المسيرات التي حدثت و ما زالت، ان جهاز الامن العام قد تعامل معها باسلوب حضاري لم يسبق له مثيل.بل ان البعض من كوادر الامن العام قد شارك فيها و شكل درعاً لحمايتها و عدم تعرضها لعبث العابثيين و هذا ما يمكن تلمسه في الرسالة الملكية التي بعث بها جلالة الملك المعظم الى مدير الامن العام و مرتباته التي نفخر و نعتز بها و باننا كنا و لا زلنا من ضمن طواقمها ، و التي عبرت عن شكر جلالته و اعتزازه بجهاز الامن العام و قيادته على الاسلوب الرائع في التعامل مع هذه الاحداث.
يرى البعض بان الازمة هي نقمة تلقي بظلالها و اعباءها على الاجهزة الأمنية و لاسيما اذا نجم عنها خسائر سواء في الجانب المادي او البشري او المعنوي ،اضافة الى الجهد الكبير الذي ينصرف الى كيفية التعامل مع ظروف الازمة. و في المقابل فانه يمكن القول بان الازمة نعمة و تشكل فرصة لتعديل مسار المؤسسة و بالتالي فان للازمة اوجه ايجابية و منها:
• تسليط الضوء على اوجه الخلل و القصور في اداء الجهاز و الاشارة الى مواطن الضعف و اوجه النقص في الامكانيات مما تفيد الجهاز بتصحيح الاوضاع و تعديل المسار.
• تعتبر الازمة فرصة لاكتشاف قيادات جديدة فالمواقف الازموية كثيرا ما تسفر عن بروز قيادات مغمورة و تقييم قيادات بارزة و ما كان ذلك ليحدث لولا حدوث تلك الازمات.
• يضاف الى ذلك ان الازمة قد تؤدي الى التعجيل في احداث تغييرات في الهياكل الادارية للمؤسسة و اعادة تنظيمها بالشكل الذي يؤدي الى عدم تكرار ما حدث من اخطاء و البحث في مشكلات الجهاز الاخرى و تقييم العلاقات مع الاطراف الاخرى بناء على تصرفاتهم الايجابية او السلبية خلال الازمة.
و للوقوف على الاساليب الفعالة لادارة الازمة الأمنية فلابد من تعريفها من المنظور الامني فهي حالة طارئة و مفاجئة تنذر بخطر يهدد دولة او احدى مؤسساتها مما يتوجب ضرورة التصدي لها و مواجهتها بقرارات رشيدة و سريعة على الرغم من ضيق الوقت و قلة المعلومات احياناً.
ان ادارة الازمة بوجه عام و الازمة الأمنية بوجه خاص تحتاج لاتخاذ بعض الاجراءات سواء في مرحلة ما قبل حدوثها او اثناءها او بعد انتهاءها. و ذلك بالوقوف على الاسباب و الدوافع و معرفة المؤشرات الداله على حدوث الازمة لاتخاذ الخطط و الاحتياطات اللازمة لادارتها و غالبا ما يتبع الاسلوب العلمي في عملية المواجهه من خلال دراسة كافة الجوانب المتعلقة بالازمة و اتخاذ القرارات المناسبة لمواجهتها،اما في مرحلة المعالجة فان النقطة الاساسية هو التعاون و التنسيق لتنفيذ الخطط الموضوعة لمعالجة الازمة يضاف الى ذلك التوجيه و الاشراف الدائم على متابعة سير ادارة الازمة،بحيث تتكامل الجهود في احتوائها. مع التركيز على عنصر الزمن ذلك ان التحكم في الزمن و استغلاله افضل استغلال يمثل احد العوامل المهمة في ادارة الازمة حيث ان استطالة الزمن امر غير مرغوب فيه لادارة الازمة الأمنية.
و اما مرحلة ما بعد الازمة فلا بد من تقييم اسلوب ادارة الازمة للوقوف على النقاط الايجابية و تعزيزها و السير على خطاها مستقبلاً ومعرفة مواقع الخلل و العمل على تجنبها في الازمات القادمة.
و مهما كانت الازمة و طبيعتها فان استراتيجة مواجهتها و اساليب معالجتها يختلف باختلاف المواقف و اختلاف السياسات و الامكانيات المتاحة و ظروف الازمة و على كل حال فان هنالك ثلاثة اساليب يبنى عليها استراتيجية ادارة الازمة:
• الاسلوب القهري:اي استخدام القوة لاجبار الاطراف المشاركة للتراجع عن موقفهم مع عدم الرضوخ لمطالبهم مهما كان حجم التهديد الصادر عنهم.
• الاسلوب التساومي:و يعتمد هذا الاسلوب على التفاوض لحل الازمة مع الاستعداد للتنازل عن بعض المواقف مقابل تنازل الاطراف عن بعض مطالبهم.
• الاسلوب التنازلي : و يعني الرضوخ الى مطالب الخصم في سبيل انهاء الازمة.
و الحقيقة ان اعتماد اي من هذه الاساليب تعتمد اعتماداً مباشراً على وعي المواطن و ادراكه لمصلحته الوطنية.فلقد اثبتت التجارب ان الارباك الذي تحدثه الازمات تزداد حدته مع جهل المواطن فيما يمكن ان يفعله او لا يفعله و لقد كان جهل المواطن مصدر ازعاج للسلطات الأمنية و تقليلاً من قدراتها في مواجهة الازمة اذ ان المواطن يصبح بجهله و ارباكه عبئاً على السلطات الأمنية بدلا من ان يكون عاملاً مساعداً في مواجهة الازمة، و لذلك لابد من وضع خطط توعوية تهدف الى ايضاح ما يجب على المواطن عمله و ما يفترض عليه تفاديه.
كما دلت التجارب ايضاً على ان للاعلام دوراً مهماً في مواجهة الازمة اما بصورة سلبية او صورة ايجابية و لذلك فلابد من اعداد خطط محكمة للتعامل مع القضايا الاعلامية اثناء ادارة الازمات بحيث نكون امام اعلام منضبط شفاف ينقل الحقيقة بايجابياتها و سلبياتها كما تحدث على ارض الواقع تماما.
و في النهاية،فلا بد من ان اذكر بما يراه احد الخبراء في هذا المجال حيث يقول:"ان عالم الازمات جزء منا، كما اننا جزء منه.ان اعترافنا بضرورة الازمة يتطلب ان يكون اكثر حضوراً في وعينا و في فكرنا،و في ادارتنا، و حتى نؤثر في مجرياتها و نتجنب مخاطرها، بل و الاستفادة من ايجابياتها. ان الازمات تمثل معالم طريق، عبرت خلاله الانسانية و شيدت حضارتها، فلم تكن الازمات كلها شرا مستطيرا،بل كانت بواعث لنهضة علمية و فكرية اثرت المعارف الانسانية و ساعدت على تطورها و يسرت لها سبل لم تكن متوافرة لديها قبل حدوث الازمة."
Dr.fahadalkasassbeh@yahoo.com